الحال ، وهو مشكل ، فإنّهم أجازوا في «ليت» أن تعمل في الحال ، وكذا «كأنّ» لما فيها من معنى الفعل ـ وهو التمني والتشبيه ـ فكان ينبغي أن يجوز ذلك في «أنّ» لما فيها من معنى التأكيد. و «جميع» في الأصل : فعيل من الجمع ، وكأنه اسم جمع ، فلذلك يتبع تارة بالمفرد ، قال تعالى : (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ)(١) ، وتارة بالجمع ، قال تعالى : (جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ)(٢) ، وينتصب حالا ، ويؤكد به بمعنى «كل» ، ويدلّ على الشمول كدلالة «كل» ، ولا دلالة له على الاجتماع في الزمان ، تقول : «جاء القوم جميعهم» لا يلزم أن يكون مجيئهم في زمن واحد ، وقد تقدّم ذلك في الفرق بينها وبين «جاؤوا معا».
(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ)(١٦٧)
قوله تعالى : (إِذْ تَبَرَّأَ) : في «إذ» ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّها بدل من «إذ يرون».
الثاني : أنها منصوبة بقوله «شديد العذاب».
الثالث : ـ وهو أضعفها ـ أنها معمولة لا ذكر مقدرا. و «تبرّأ» في محلّ خفض بإضافة الظرف إليه. والتبرّؤ : الخلوص والانفصال ، ومنه : برئت من الدّين ، وقد تقدّم تحقيق ذلك عند قوله : (إِلى بارِئِكُمْ)(٣). والجمهور على تقديم «اتّبعوا» مبنيا للمفعول على «اتّبعوا» مبنيا للفاعل. وقرأ مجاهد بالعكس ، وهما واضحتان ، إلّا أنّ قراءة الجمهور واردة في القرآن أكثر.
قوله : (وَرَأَوُا الْعَذابَ) في هذه الجملة وجهان :
أظهرهما : أنها عطف على ما قبلها ، فتكون داخلة في حيّز الظرف ، تقديره : «إذ تبرّأ الذين اتّبعوا ، وإذ رأوا».
والثاني : أن الواو للحال والجملة بعدها حالية ، و «قد» معها مضمرة ، والعامل في هذه الحال : «تبرّأ» أي : تبّرأوا في حال رؤيتهم العذاب.
قوله : (وَتَقَطَّعَتْ) يجوز أن تكون الواو للعطف وأن تكون للحال ، وإذا كانت للعطف فهل عطفت (تَقَطَّعَتْ) على (تَبَرَّأَ) ، ويكون قوله : «ورأوا» حالا ، وهو اختيار الزمخشري ، أو عطفت على «رأوا»؟ وإذا كانت للحال فهل هي حال ثانية للذين ، أو حال للضمير في «رأوا»؟ وتكون حالا متداخلة إذا جعلنا «ورأوا» حالا.
والباء في «بهم» فيها أربعة أوجه :
__________________
(١) سورة القمر ، آية (٤٤).
(٢) سورة يس ، آية (٣٢).
(٣) سورة البقرة ، آية (٥٤).