استئنافا ، وحذف جواب «لو» شائع مستفيض ، وكثر حذفه في القرآن. وفائدة حذفه استعظامه وذهاب النفس كلّ مذهب فيه بخلاف ما لو ذكر ، فإنّ السامع يقصر همّه عليه ، وقد ورد في أشعارهم ونثرهم حذفه كثيرا. قال امرؤ القيس :
٨٠٥ ـ وجدّك لو شيء أتانا رسوله |
|
سواك ولكن لم نجد لك مدفعا (١) |
وقال النابغة :
٨٠٦ ـ فما كان بين الخير لو جاء سالما |
|
أبو حجر إلّا ليال قلائل (٢) |
ودخلت «إذ» وهي ظرف زمان ماض في أثناء هذه المستقبلات تقريبا للأمر ، وتصحيحا لوقوعه ، كما وقعت صيغة المضيّ موقع المستقبل لذلك كقوله : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ)(٣) (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ)(٤) ، وكما قال الأشتر :
٨٠٧ ـ بقّيت وفري وانحرفت عن العلى |
|
ولقيت أضيافي بوجه عبوس (٥) |
إن لم أشنّ على ابن حرب غارة |
|
لم تخل يوما من نهاب نفوس |
فأوقع «بقّيت» و «انحرفت» ـ وهما بصيغة المضيّ ـ موقع المستقبل لتعليقهما على مستقبل وهو قوله : «إن لم أشنّ». وقيل : أوقع «إذ» موقع «إذا» وقيل : زمن الآخرة متصل بزمن الدنيا ، فقام أحدهما مقام الآخر لأنّ المجاور للشيء يقوم مقامه ، وهكذا كلّ موضع وقع مثل هذا ، وهو في القرآن كثير.
وقراءة ابن عامر «يرون العذاب» مبنيا للمفعول من أريت المنقولة من رأيت بمعنى أبصرت فتعدّت لاثنين ، أولهما قام مقام الفاعل وهو الواو ، والثاني هو «العذاب» ، وقراءة الباقين واضحة.
وقال الراغب : «قوله» : «أنّ القوة» بدل من «الذين» قال : «وهو ضعيف» قال الشيخ (٦) : «ويصير المعنى : ولو ترى قوة الله وقدرته على الذين ظلموا». وقال في «المنتخب» : «قراءة الياء عند بعضهم أولى من قراءة التاء» ، قال : «لأنّ النبيّ عليهالسلام والمؤمنين قد علموا قدر ما يشاهده الكفار ، وأمّا الكفار فلم يعلموه فوجب إسناد الفعل إليهم» وهذا ليس بشيء فإ القراءتين متواترتان.
قوله : (جَمِيعاً) حال من الضمير المستكنّ في الجارّ والمجرور الواقع خبرا ، لأنّ تقديره : «أنّ القوة كائنة لله جميعا» ، ولا جائز أن يكون حالا من القوة ، فإنّ العامل في الحال هو العامل في صاحبها ، و «أنّ» لا تعمل في
__________________
(١) انظر ديوانه (٢٤٢) ، الخزانة (١٠ / ٨٤) ، شرح المفصل لابن يعيش (٩ / ٩٤) ، معاني الفراء (٢ / ٧ ، ٦٣) ، مشكل القرآن لابن قتيبة (٢١٥) ، الصاحبي (٤٣١) ، أمالي الزجاجي (٢٢٥) ، فقه اللغة للثعالبي (٣٤٤) ، وروى «فأقسم» ، بدل «وجدّك». والجد بالفتح العظمة والغنى ، والمعنى فيه أنه لو أحد أتانا رسوله لما أجبناه ، ولكن لم ندفعك عن ذلك. والشاهد فيه حذف جواب لو وتقديره : لو أتانا رسول سواك لفعلناه.
(٢) تقدم.
(٣) سورة الأعراف ، آية (٤٤).
(٤) سورة الأعراف ، آية (٥٠).
(٥) البيتان في الحماسة (١ / ٩٣) ، أمالي القالي (١ / ٨٥) ، معجم الشعراء (٢٦٣) ، حاشية الكشاف للتفتازاني (٢ / ٢٥٦).
(٦) انظر البحر المحيط (١ / ٤٧٣).