والثاني : أن يتعلق بما تضمنه قوله عليهم من الفعل ، إذا جعلناه رافعا لصلوات رفع الفاعل ، فعلى الأول يكون قد حذف الصفة بعد رحمة ، أي : ورحمة منه ، وعلى الثاني لا يحتاج إلى ذلك ، وقوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) نظير : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١).
(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ)(١٥٨)
قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا) : «الصفا» اسمها و (مِنْ شَعائِرِ اللهِ) خبرها قال أبو البقاء : وفي الكلام حذف مضاف تقديره : طواف الصفا أو سعي الصفا ، وألف الصفا عن واو بدليل قلبها في التثنية واوا ، قالوا : صفوان والاشتقاق يدل عليه أيضا ، لأنه من الصفو وهو الخلوص ، والصفا الحجر الأملس ، وقيل : الذي لا يخالطه غيره من طين أو تراب ، ويفرق بين واحده وجمعه تاء التأنيث ، نحو : صفا كثير ، وصفاة واحدة ، وقد يجمع الصفا على فعول وأفعال قالوا : صفي بكسر الصاد وضمها كعصى وأصفاء ، والأصل صفوو وأصفاو ، فقلبت الواوان في «صفوو» ياءين ، والواو في أصفاء همزة ككساء وبابه ، والمروة : الحجارة الصغار فقيل اللينة وقيل : الصلبة وقيل المرهفة الأطراف ، وقيل البيض ، وقيل : السود وهما في الآية علمان لجبلين معروفين ، والألف واللام فيهما للغلبة كهما في البيت والنجم ، وجمعها مرو كقوله :
٧٨٤ ـ وترى المرو إذا ما هجّرت |
|
عن يديها كالفراش المشفتر (٢) |
والشعائر : جمع شعيرة وهي العلامة ، وقيل : جمع شعارة ، والمراد بها في الآية مناسك الحج ، والأجود شعائر بالهمزة لزيادة حرف المد ، وهو عكس معائش ومصائب.
قوله : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ) «من» شرطية في محل رفع بالابتداء و «حج» في محل جزم و «البيت» نصب على المفعول به لا على الظرف ، والجواب قوله : (فَلا جُناحَ) والحج لغة : القصد مرة بعد أخرى قال :
٧٨٥ ـ لراهب يحجّ بيت المقدس |
|
في منقل وبرجد وبرنس (٣) |
والاعتمار الزيارة ، وقيل : مطلق القصد ، ثم صارا علمين بالغلبة في المعاني كالبيت والنجم في الأعيان.
قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ) الظاهر أن «عليه» خبر «لا» و (أَنْ يَطَّوَّفَ) أصله : في أن يطوف ، فحذف حرف الجر فجيء في محلها القولان : النصب أو الجر والوقف في هذا الوجه على قوله : «بهما» ، وأجازوا بعد ذلك أوجها ضعيفة منها : أن يكون الكلام قد تم عند قوله «فلا جناح» على أن يكون خبر «لا» محذوفا وقدره أبو البقاء : «فلا جناح في الحج» ويبتدأ بقوله : «عليه أن يطوف» فيكون «عليه» خبرا مقدما ، وأن يطوف في تأويل مصغر مرفوع بالابتداء ، فإن الطواف واجب ، قال أبو البقاء هنا : والجيد أن يكون عليه في هذا الوجه خبرا و «أن يطوف مبتدأ» ومنها : أن يكون «عليه أن يطوف» من باب الإغراء فيكون «أن يطوف» في محل نصب كقولك عليك زيدا ، أي :
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (٥).
(٢) البيت لطرفة بن العبد انظر ديوانه (٤٢) ، وهو من شواهد البحر (١ / ٤٥٤).
(٣) البيت من شواهد البحر (١ / ٤٥٤).