الفراء : إن هنا بمعنى لو ، وهذا من أبي البقاء يؤذن أن الجواب للشرط وإنما حذفت الفاء لكون فعل الشرط ماضيا ، وهذا منه غير مرض لأنه خالف البصريين والكوفيين بهذه المقالة.
وقوله : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) «ما» تحتمل الوجهين أعني كونها حجازية أو تميمية ، فعلى الأول يكون «أنت» مرفوعا بها ، و «بتابع» في محل نصب ، وعلى الثاني يكون مرفوعا بالابتداء ، و «بتابع» في محل رفع ، وهذه الجملة معطوفة على جملة الشرط ، وجوابه لا على الجواب وحده ، إذ لا يحل محله ، لأن نفي تبعيتهم لقبلته مقيد بشرط لا يصح أن يكون قيدا في نفي تبعيته قبلتهم ، وهذه الجملة أبلغ في النفي من.
قوله : (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) من وجوه :
أحدها : كونها اسمية متكرر فيها الاسم مؤكد نفيها بالباء. ووحد القبلة وإن كانت مثناة لأن لليهود قبلة وللنصارى قبلة أخرى لأحد وجهين :
إما لاشتراكهما في البطلان صارا قبلة واحدة.
وإما لأجل المقابلة في اللفظ ، لأن قبله «ما تبعوا قبلتك» ، وقرئ (١) «بتابع قبلتهم» بالإضافة تخفيفا لأن اسم الفاعل المستكمل لشروط العمل يجوز فيها الوجهان ، واختلف في هذه الجملة : هل المراد بها النهي أي : لا تتبع قبلتهم ، ومعناه الدوام على ما أنت عليه ، لأنه معصوم من اتباع قبلتهم ، أو الإخبار المحض بنفي الاتباع ، والمعنى أن هذه القبلة لا تصير منسوخة ، أو قطع رجاء أهل الكتاب أن يعود إلى قبلتهم؟ قولان مشهوران.
قوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ) كقوله : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ) وقوله : «إنك» جواب القسم وجواب الشرط محذوف كما تقدم في نظيره.
قال الشيخ (٢) : لا يقال إنه يكون جوابا لهما لامتناع ذلك لفظا ومعنى ، أما المعنى فلأن الاقتضاء مختلف فاقتضاء القسم على أنه لا عمل له «فيه» لأن القسم إنما جيء به توكيدا للجملة المقسم عليها ، وما جاء على سبيل التوكيد لا يناسب أن يكون عاملا واقتضاء الشرط على أنه عامل فيه فتكون الجملة في موضع جزم ، وعمل الشرط لقوة طلبه له ، وأما اللفظ فإن هذه الجملة إذا كانت جواب قسم لم تحتج إلى مزيد رابط ، فإذا كانت جواب شرط احتجت إلى مزيد رابط ، وهو الفاء ، ولا يجوز أن تكون خالية من الفاء موجودة فيها فلذلك امتنع أن تكون جوابا لهما معا.
و «إذن» حرف جواب وجزاء بنص سيبويه ، وتنصب المضارع بثلاثة شروط : أن تكون صدرا ، وألا يفصل بينها وبين الفعل بغير الظرف والقسم ، وألا يكون الفعل حالا ودخلت هنا بين اسم إن وخبرها لتقرير النسبة بينهما ، وكان حدها أن تتقدم أو تتأخر فلم تتقدم لأنه سبق قسم وشرط والجواب هو للقسم ، فلو تقدم لتوهم أنها لتقرير النسبة التي بين الشرط والجواب المحذوف ، ولم تتأخر لئلا تفوت مناسبة الفواصل ورؤوس الآي.
قال الشيخ (٣) : وتحرير معنى «إذن» صعب اضطرب الناس في معناها وفي فهم كلام سيبويه فيها وهو أن معناها
__________________
(١) انظر البحر المحيط (١ / ٤٣٢).
(٢) انظر البحر المحيط (١ / ٤٣٣).
(٣) انظر البحر المحيط (١ / ٤٣٤).