والثالث : على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويكون على هذا التفاتا من خطابه بقوله : «فلنولينك» إلى الغيبة.
قوله : (مِنْ رَبِّهِمْ) متعلق بمحذوف على أنه حال من الحق ، أي : الحق كائنا من ربهم ، وقرئ : «عما يعملون» بالغيبة ردا على الذين أوتوا الكتاب ، أو ردا على المؤمنين ، ويكون التفاتا من خطابهم بقوله : «وجوهكم ـ كنتم» وبالخطاب على رده للمؤمنين ، وهو الظاهر أو للذين على الالتفات تحريكا لهم وتنشيطا.
(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ)(١٤٥)
قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ) : فيه قولان :
أحدهما : قول سيبويه وهو أن اللام هي الموطئة للقسم المحذوف ، و «إن» شرطية ، فقد اجتمع شرط وقسم وسبق القسم ، فالجواب له إذ لم يتقدمهما ذو خبر فلذلك جاء الجواب للقسم بما النافية وما بعدها ، وحذف جواب الشرط لسد جواب القسم مسده ، ولذلك جاء فعل الشرط ماضيا ، لأنه متى حذف الجواب وجب مضي فعل الشرط إلا في ضرورة و «تبعوا» وإن كان ماضيا لفظا فهو مستقبل معنى ، أي : ما يتبعون لأن الشرط قيد في الجملة ، والشرط مستقبل فوجب أن يكون مضمون الجملة مستقبلا ضرورة أن المستقبل لا يكون شرطا في الماضي.
الثاني : وهو قول الفراء ، وينقل أيضا عن الأخفش والزجاج أن «إن» بمعنى «لو» ، ولذلك كانت «ما» في الجواب فجعل ما تبعوا جوابا لأن ، لأنها بمعنى لو ، أما إذا لم تكن بمعناها فلا تجاب ب «ما» وحدها ؛ بل لا بد من الفاء ، تقول : إن تزورني فما أزورك ، ولا يجيز الفراء : «ما أزورك» بغير فاء ، وقال ابن عطية : وجاء جواب «لئن» كجواب لو وهي ضدها في أن «لو» تطلب المضي والوقوع ، و «إن» تطلب الاستقبال لأنهما جميعا يترتب قبلهم القسم ، فالجواب إنما هو للقسم ، لأن أحد الحرفين يقع موقع الآخر هذا قول سيبويه.
قال الشيخ (١) : هذا فيه تثبيج (٢) وعدم نص على المراد ، لأن أوله يقتضي أن الجواب ل «إن» وقوله بعده : الجواب للقسم يدل على أنه ليس لأن وتعليله بقوله : لأن أحد الحرفين يقع موقع الآخر لا يصلح علة لكون ما تبعوا جوابا للقسم ، بل لكونه جوابا لإن ، وقوله : «قول سيبويه» ليس في كتاب سيبويه ، ذلك إنما فيه أن «ما تبعوا» جواب القسم ، ووقع فيه الماضي موقع المستقبل قال سيبويه : وقالوا : لئن فعلت ما فعل يريد معنى ما هو فاعل ، وما يفعل.
وتلخص مما تقدم أن قوله : (ما تَبِعُوا) فيه قولان :
أحدهما : أنه جواب للقسم ساد مسد جواب الشرط ، ولذلك لم يقترن بالفاء.
والثاني : أنه جواب ، لأن إجراء لها مجرى لو ، وقال أبو البقاء : «ما تبعوا» أي : لا يتبعوا فهو ماض في معنى المستقبل ، ودخلت «ما» حملا على لفظ الماضي ، وحذفت الفاء في الجواب ، لأن فعل الشرط ماض ، وقال
__________________
(١) انظر البحر المحيط (١ / ٤٣١).
(٢) أي اضطراب.