والثاني : أنها بمعنى إلى أي : إلى السماء ، ولا حاجة لذلك فإن هذا المصدر قد ثبت تعديه ب «في» ، قال تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ)(١).
والثاني من القولين : أنه نرى وحينئذ تكون «في» بمعنى «من» أي : قد نرى من السماء ، وذكر السماء وإن كان تعالى لا يتحيز في جهة على سبيل التشريف.
والثالث : أنه في محل نصب على الحال من «وجهك» ذكره أبو البقاء ، فيتعلق حينئذ بمحذوف ، والمصدر هنا مضاف إلى فاعله ، ولا يجوز أن يكون مضافا إلى منصوبه ، لأن مصدر ذلك التقليب ولا حاجة إلى حذف مضاف من قوله «وجهك» وهو بصر وجهك ، لأن ذلك لا يكاد يستعمل بل ذكر الوجه لأنه أشرف الأعضاء ، وهو الذي يقلبه السائل في حاجته ، وقيل : كنى بالوجه عن البصر لأنه محله.
قوله : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً) الفاء هنا للتسبب وهو واضح ، وهذا جواب قسم محذوف أي : فو الله لنولينك و «نولي» يتعدى لاثنين : الأول الكاف والثاني «قبلة» ، و «ترضاها» الجملة في محل نصب صفة لقبلة.
قال الشيخ (٢) : وهذا يعني «فلنولينك» يدل على أن في الجملة السابقة حالا محذوفة تقديره : قد نرى تقلب وجهك في السماء طالبا قبلة غير التي أنت مستقبلها.
قوله : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ) : «ولي» يتعدى لاثنين أحدهما «وجهك» ، والثاني «شطر» ، ويجوز أن ينتصب «شطر» على الظرف المكاني فيتعدى الفعل لواحد ، وهو قول النحاس ، ولم يذكر الزمخشري غيره ، والأول أوضح ، وقد يتعدى إلى ثانيهما بإلى ، والشطر يكون بمعنى النصف من الشيء ، والجزء منه ، ويكون بمعنى الجهة والنحو قال :
٧٦٦ ـ ألا من مبلغ عنّي رسولا |
|
وما تغني الرّسالة شطر عمرو (٣) |
وقال :
٧٦٧ ـ أقول لأمّ زنباع أقيمي |
|
صدور العيس شطر بني تميم (٤) |
وقال :
٧٦٨ ـ وقد أظلّكم من شطر ثغركم |
|
هول له ظلم يغشاكم قطعا (٥) |
وقال ابن أحمر :
٧٦٩ ـ تعدو بنا شطر نجد وهي عاقدة |
|
قد كارب العقد من إيقادها الحقبا (٦) |
وقال :
__________________
(١) سورة آل عمران ، آية (١٩٦).
(٢) البحر المحيط (١ / ٤٢٨).
(٣) البيت من شواهد البحر (١ / ٤١٨).
(٤) البيت لأبي زنباع الجذامي وهو من شواهد البحر (١ / ٤١٨) ، القرطبي (٢ / ١٠٨) ، اللسان «شطر».
(٥) البيت للقيط الإيادي انظر ديوانه (٤٣) ، الهمع (١ / ٢٠١) ، الدرر (١ / ١٧٠) ، وهو من شواهد البحر (١ / ٤١٨).
(٦) البيت في الهمع (١ / ٢٠١) ، الدرر (١ / ١٧٠).