قوله : (لَرَؤُفٌ) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر : لرؤوف على وزن : ندس ، وهي لغة فاشية كقوله :
٧٦٢ ـ وشرّ الظّالمين فلا تكنه |
|
يقاتل عمّه الرّؤف الرّحيما (١) |
وقال آخر :
٧٦٣ ـ يرى للمسلمين عليه حقّا |
|
كحقّ الوالد الّرؤف الرّحيم (٢) |
وقرأ الباقون لرؤوف على زنة شكور ، وقرأ أبو جعفر : «لرؤوف» من غير همزة ، وهذا دأبه في كل همزة ساكنة ، أو متحركة ، والرأفة : أشد الرحمة فهي أخص منها ، وفي رؤوف لغتان أخريان لم تصل إلينا بهما قراءة ، وهما : رئف على وزن فخذ ، ورأف على وزن صعب ، وإنما قدم على رحيم لأجل الفواصل.
(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)(١٤٤)
قوله تعالى : (قَدْ نَرى) : «قد» هذه قال فيها بعضهم إنها تصرف المضارع إلى معنى المضي ، وجعل من ذلك هذه الآية وأمثالها وقول الشاعر :
٧٦٤ ـ لقوم لعمري قد نرى أمس فيهم |
|
مرابط للأمهار والعكر الدّثر (٣) |
وقال الزمخشري : «قد نرى» ربما نرى ، ومعناه كثرة الرؤية كقول الشاعر :
٧٦٥ ـ قد أترك القرن مصفرّا أنامله |
|
كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد (٤) |
قال الشيخ (٥) : وشرحه هذا على التحقيق متضاد ، لأنه شرح «قد نرى» بربما نرى ، ورب على مذهب المحققين إنما تكون لتقليل الشيء في نفسه ، أو لتقليل نظيره : ثم قال : ومعناه كثرة الرؤية ، فهو مضاد لمدلول رب على مذهب الجمهور ، ثم هذا الذي ادعاه من كثرة الرؤية لا يدل عليه اللفظ ، لأنه لم توضع للكثرة «قد» مع المضارع سواء أريد به المضي أم لا ، وإنما فهمت الكثرة من متعلق الرؤية ، وهو التقلب.
قوله : (فِي السَّماءِ) في متعلق الجار ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه المصدر وهو «تقلب» ، وفي «في» حينئذ وجهان :
أحدهما : أنها على بابها من الظرفية ، وهو الواضح.
__________________
(١) البيت للوليد بن عقبة انظر تفسير الطبري (٣ / ١٧١) ، البحر المحيط (١ / ٤٢٧) ، القرطبي (٢ / ١٠٧).
(٢) البيت لجرير انظر ديوانه (٣٨٢) ، البحر المحيط (١ / ٤٢٧).
(٣) البيت لامرئ القيس انظر ديوانه (٧٤) ، وهو من شواهد البحر (١ / ٤٢٧).
(٤) تقدم.
(٥) انظر البحر المحيط (١ / ٤٢٧).