قوله : (مَنْ يَتَّبِعُ) في «من» وجهان :
أحدهما : أنها موصولة ، و «يتبع» صلتها ، والموصول وصلته في محل المفعول ل «نعلم» ، لأنه يتعدى إلى واحد.
والثاني : أنها استفهامية في محل رفع بالابتداء ، و «يتبع» خبره ، والجملة في محل نصب ، لأنها معلقة للعلم ، والعلم على بابه ، وإليه نحا الزمخشري في أحد قوليه ، وقد رد أبو البقاء هذا الوجه فقال : لأن ذلك يوجب أن تعلق «نعلم» عن العمل ، وإذا علقت عنه لم يبق ل «من» ما تتعلق به ، لأن ما بعد الاستفهام لا يتعلق بما قبله ، ولا يصح تعلقها بيتبع ، لأنها في المعنى متعلقة بنعلم ، وليس المعنى أي فريق يتبع ممن ينقلب انتهى. وهو رد واضح إذ ليس المعنى على ذلك ، إنما المعنى على أن يتعلق ممن ينقلب بنعلم نحو : علمت من أحسن إليك ممن أساء ، وهذا يقوي التجوز بالعلم عن التمييز ، فإن العلم لا يتعدى بمن إلا إذا أريد به التمييز ، وقرأ الزهري : «إلا ليعلم» على البناء للمفعول ، وهي قراءة واضحة لا تحتاج إلى تأويل ، فإنا «لا» نقدر ذلك الفاعل غير الله تعالى.
قوله : (عَلى عَقِبَيْهِ) في محل نصب على الحال ، أي : ينقلب مرتدا راجعا على عقبيه ، وهذا مجاز ، وقرئ (١) «على عقبيه» بسكون القاف ، وهي لغة تميم.
قوله : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) «إن» هي المخففة من الثقيلة دخلت على ناسخ المبتدأ والخبر ، وهو أغلب أحوالها ، واللام للفرق بينهما وبين إن النافية ، وهل هي لام الابتداء أو لام أخرى أتى بها للفرق؟ خلاف مشهور ، وزعم الكوفيون أنها بمعنى «ما» النافية ، وأن اللام بمعنى إلا ، والمعنى : ما كانت إلا كبيرة نقل ذلك عنهم أبو البقاء ، وفيه نظر ليس هذا موضع تحريره.
والقراءة المشهورة نصب «كبيرة» على خبر «كان» واسم كان مضمر فيها يعود على التولية ، أو الصلاة ، أو القبلة المدلول عليها بسياق الكلام ، وقرأ اليزيدي (٢) «عن أبي عمرو» برفعها ، وفيه تأويلان :
أحدهما وذكره الزمخشري : أن «كان» زائدة ، وفي زيادتها عاملة نظر لا يخفى ، وقد استدل الزمخشري على ذلك بقوله :
٧٦٠ ـ فكيف إذا مررت بدار قوم |
|
وجيران لنا كانوا كرام (٣) |
فإن قوله «كرام» صفة لجيران ، وزاد بينهما «كانوا» وهي رافعة للضمير ، ومن صنع ذلك تأول لنا خبرا مقدما ، وجملة الكون صفة لجيران.
والثاني : أن «كان» غير زائدة ؛ بل يكون «كبيرة» خبرا لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وإن كانت لهي كبيرة ، وتكون هذه الجملة في محل نصب خبرا لكانت ، ودخلت لام الفرق على الجملة الواقعة خبرا ، وهو توجيه ضعيف ،
__________________
(١) انظر البحر المحيط (١ / ٤٢٥).
(٢) يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي الإمام أبو محمد اليزيدي النحوي المقرئ اللغوي هو الذي خلف أبا عمرو بن العلاء في القراءة مات بخراسان سنة اثنتين ومائتين عن أربع وسبعين سنة. البغية (٢ / ٣٤٠).
(٣) البيت للفرزدق انظر ديوانه (٥٩٧) ، وهو من شواهد الكتاب (٢ / ١٥٣) ، أوضح المسالك (١ / ٨٢).