الخاص ، أو تكون من متعلقة بمحذوف فتكون في موضع الحال أي كائنا من الكاتمين ، وأما من حيث المدلول فإن ثبوت الأظلمية لمن جر ب «من» يكون على تقدير أي : إن كتمها فلا أحد أظلم منه ، وهذا كله معنى لا يليق به تعالى ، وينزه كتابه عنه.
(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)(١٤٣)
قوله تعالى : (مِنَ النَّاسِ) في محل نصب على الحال من «السفهاء» ، والعامل فيها سيقول ، وهي حال مبينة فإن السفه كما يوصف به الناس يوصف به غيرهم من الجماد والحيوان ، وكما ينسب القول إليهم حقيقة ينسب لغيرهم مجازا فرفع المجاز بقوله : «من الناس» ذكره ابن عطية وغيره.
قوله : (ما وَلَّاهُمْ) «ما» مبتدأ وهي استفهامية ، والجملة بعدها خبر عنها ، و «عن قبلتهم» متعلق ب «ولاهم» ، ولا بد من حذف مضاف في قوله «عليها» أي : على توجهها ، أو اعتقادها وجملة الاستفهام في محل نصب بالقول والاستعلاء في قوله «عليها» مجاز نزل مواظبتهم على المحافظة عليها منزلة من استعلى على الشيء.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ) : الكاف فيها الوجهان المشهوران كما تقدم ذلك غير مرة وهما : إما النصب على نعت مصدر محذوف ، أو على الحال من المصدر المحذوف ، والتقدير : جعلناكم أمة وسطا جعلا مثل ذلك ، ولكن المشار إليه ب «ذلك» غير مذكور فيما تقدم ، وإنما تقدم ما يدل عليه ، واختلفوا في «ذلك» على خمسة أوجه :
أحدها أن المشار إليه هو الهدف المدلول عليه بقوله (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ، والتقدير جعلناكم أمة وسطا مثل ما هديناكم.
الثاني : أنه الجعل ، والتقدير : جعلناكم أمة وسطا مثل ذلك الجعل الغريب الذي فيه اختصاصكم بالهداية.
الثالث : قيل المعنى كما جعلنا قبلتكم متوسطة جعلناكم أمة وسطا.
الرابع : قيل : المعنى كما جعلنا القبلة وسط الأرض ، جعلناكم أمة وسطا.
الخامس : وهو أبعدها أن المشار إليه قوله : «ولقد اصطفيناه في الدنيا» أي : مثل ذلك الاصطفاء جعلناكم أمة وسطا ، و «جعل» بمعنى صير فيتعدى لاثنين فالضمير مفعول أول ، و «أمة» مفعول ثان ، ووسطا نعته ، والوسط بالتحريك اسم لما بين الطرفين ، ويطلق على خيار الشيء ، لأن الأوساط محمية بالأطراف قال حبيب :
٧٥٦ ـ كانت هي الوسط المحميّ فاكتنفت |
|
بها الحوادث حتّى أصبحت طرفا (١) |
__________________
(١) انظر ديوانه (١٩٢).