٧٠٥ ـ أتهجوه ولست له بكفء |
|
فشرّكما لخيركما الفداء (١) |
وقد علم أن الرسول خير له.
قوله : (مِنَ اللهِ) في «من» أربعة أوجه :
أحدها : أنها متعلقة ب «كنتم» ، وذلك على حذف مضاف أي : كنتم من عباد الله شهادة عنده.
الثاني : أن تتعلق بمحذوف على أنها صفة لشهادة بعد صفة ، لأن «عنده» صفة لشهادة ، وهو ظاهر قول الزمخشري فإنه قال : و «من» في قوله : «شهادة من الله» مثلها في قولك : هذه شهادة مني لفلان إذا شهادت له ، ومثله (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ)(٢).
الثالث : أنها في محل نصب على الحال من المضمر في «عنده» يعني من الضمير المرفوع بالظرف لوقوعه صفة ، ذكره أبو البقاء.
الرابع : أن يتعلق بذلك المحذوف الذي تعلق به الظرف وهو «عنده» لوقوعه صفة ، والفرق بينه وبين الوجه الثاني أن ذاك له عامل مستقل غير العامل في الظرف.
قال أبو البقاء : ولا يجوز أن تعلق «من» بشهادة لئلا يفصل بين الصلة والموصول بالصفة ، يعني أن «شهادة» مصدر مؤول بحرف مصدري وفعل ، فلو علقت «من» بها لكنت قد فصلت بين ما هو في معنى الموصول ، وبين أبعاض الصلة بأجنبي ، وهو الظرف الواقع صفة لشهادة ، وفيه نظر من وجهين أحدهما : لا نسلم أن «شهادة» ينحلّ لموصول وصلته ، فإن كل مصدر لا ينحل لهما.
والثاني : سلمنا ذلك ، ولكن لا نسلم والحالة هذه أن الظرف صفة بل هو معمول لها فيكون بعض الصلة لا أجنبيا حتى يلزم الفصل به بين الموصول وصلته ، وإنما كان طريق منع هذا بغير ما ذكر ، وهو أن المعنى يأبى ذلك.
وكتم يتعدى لاثنين ، فأولهما في الآية الكريمة محذوف تقديره : كتم الناس شهادة ، والأحسن من هذه الوجوه أن تكون «من الله» صفة لشهادة ، أو متعلقة بعامل الظرف لا متعلقة بكتم ، وذلك أن كتمان الشهادة مع كونها مستودعة من الله عنده أبلغ في الأظلمية من كتمان شهادة مطلقة من عباد الله.
وقال في «ريّ الظمآن» : في الآية تقديم وتأخير ، والتقدير : ومن أظلم من الله ممن كتم شهادة حصلت له كقولك : ومن أظلم من زيد من جملة الكاتمين للشهادة ، والمعنى : لو كان إبراهيم وبنوه يهودا أو نصارى ثم إن الله كتم هذه الشهادة لم يكن أحد ممن يكتم الشهادة أظلم منه ، لكن لما استحال ذلك مع عدله وتنزيهه عن الكذب علمنا أن الأمر ليس كذلك.
قال الشيخ (٣) : وهذا متكلف جدا من حيث التركيب ، ومن حيث المدلول : أما التركيب فإن التقديم والتأخير من الضرائر عند الجمهور ، وأيضا فيبقى قوله : «ممن كتم» متعلقا إما بأظلم فيكون ذلك على طريق البدلية ، ويكون إذ ذاك بدل علم من خاص ، وليس بثابت ، وإن كان بعضهم زعم وروده ، لكن الجمهور تأولوه بوضع العام موضع
__________________
(١) تقدم.
(٢) سورة التوبة ، آية (١).
(٣) البحر المحيط (١ / ٤١٦).