الثالث : أنه في محل رفع لوقوعه خبرا إذا جعلنا «ما» مبتدأ ، وقد تقدم تحقيقه.
قوله : (بَيْنَ أَحَدٍ) متعلق ب «لا نفرق» ، وفي «أحد» قولان :
أظهرهما : أنه الملازم للنفي الذي همزته أصلية ، فهو للعموم ، وتحته أفراد ، فلذلك صح دخول «بين» عليه من غير تقدير معطوف نحو : «المال بين الناس».
والثاني : أنه الذي همزته بدل من واو بمعنى واحد ، وعلى هذا فلا بد من تقدير معطوف ليصح دخول بين على متعدد ، ولكنه حذف لفهم المعنى ، والتقدير : بين أحد منهم ، ونظيره ومثله قول النابغة :
٧٥٠ ـ فما كان بين الخير لو جاء سالما |
|
أبو حجر إلّا ليال قلائل (١) |
أي : بين الخير وبيني ، و «له» متعلق بمسلمون قدم للاهتمام به لعود الضمير على الله تعالى ، أو لتناسب الفواصل.
قوله تعالى : (بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) : في الباء أقوال :
أحدها : أنها زائدة كهي في قوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ)(٢) وقوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ)(٣) وقوله :
٧٥١ ـ ............... |
|
سود المحاجر لا يقرأن بالسّور (٤) |
والثاني : أنها بمعنى على ، أي : فإن آمنوا على مثل إيمانكم بالله.
والثالث : أنها للاستعانة ، كهي في «نجرت بالقدوم» ، و «كتبت بالقلم» ، والمعنى : فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم ، وعلى هذه الأوجه فيكون المؤمن به محذوفا ، و «ما» مصدرية ، والضمير في به عائدا على الله تعالى ، والتقدير : فإن آمنوا بالله إيمانا مثل إيمانكم به ، ومثل هنا فيها قولان :
أحدهما : أنها زائدة والتقدير : بما آمنتم به ، وهي قراءة عبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، وذكر البيهقي عن ابن عباس : لا تقولوا بمثل ما آمنتم به ، فإن الله ليس له مثل ، ولكن قولوا بالذي آمنتم به ، وهذه تروى قراءة «عن» أبي ، ونظيرها في الزيادة قول الشاعر :
٧٥٢ ـ فصيّروا مثل كعصف مأكول (٥) |
|
............... |
وقال بعضهم : هذا من مجاز الكلام ، تقول : هذا أمر لا يفعله مثلك ، أي : لا تفعله أنت ، والمعنى : فإن آمنوا بالذي آمنتم به نقله ابن عطية ، وهو يؤول إلى إلغاء «مثل» وزيادتها. والثاني : أنها ليست بزائدة ، والمثلية
__________________
(١) البيت في ديوانه (٩٠) ، أوضح المسالك (٣ / ٦٣) ، العيني (٤ / ١٦٧) ، الأشموني (٣ / ١١٦) ، التصريح (٢ / ١٥٣) ، الوساطة (١٩٥) ، البحر (١ / ٢٥٢) ، (٧ / ٨٤). والمعنى فيه فما كان بين الخير وبيني لو جاء النعمان سالما إلا مدة يسيرة.
(٢) سورة البقرة ، آية (١٩٥).
(٣) سورة مريم ، آية (٢٥).
(٤) عجز بيت للقتال الكلابي وصدره :
هن الحرائر لا ربات أحمرة |
|
............... |
انظر ديوانه (٥٣) ، مجالس ثعلب (١ / ٣٠١) ، المغني (١ / ٢٩) ، الخزانة (٣ / ٦٦٧) ، المخصص (١٤ / ٧٠).
(٥) تقدم.