والجمهور على نصب «إبراهيم» ، ورفع «ربه» ، كما تقدم ، وقرأ ابن عباس وأبو الشعثاء (١) وأبو حنيفة (٢) بالعكس قالوا : وتأولها دعا ربه فسمى دعاءه ابتلاء مجازا ، لأن في الدعاء طلب استكشاف لما تجري به المقادير ، والضمير المرفوع في «فأتمهن» فيه قولان :
أحدهما : أنه عائد على ربه ، أي : فأكملهن.
والثاني : أنه عائد على إبراهيم ، أي : عمل بهن ، ووفى بهن. قوله : «قال إني» هذه الجملة القولية يجوز أن تكون معطوفة على ما قبلها إذا قلنا بأنها عاملة في «إذ» لأن التقدير : وقال إني جاعلك إذ ابتلى ، ويجوز أن تكون استئنافا إذا قلنا : إن العامل في «إذ» مضمر كأنه قيل : فماذا قال له ربه حين أتم الكلمات ، فقيل : قال : إني جاعلك ، ويجوز فيها أيضا على هذا القول ، أن تكون بيانا لقوله : «ابتلى» وتفسيرا له ، فيراد بالكلمات ما ذكره من الإمامة وتطهير البيت ، ورفع القواعد وما بعدها نقل ذلك الزمخشري.
قوله : (جاعِلُكَ) هو اسم فاعل من «جعل» بمعنى صير فيتعدى لاثنين أحدهما : الكاف وفيها الخلاف المشهور : هل هي في محل نصب أو جر؟ وذلك أن الضمير المتصل باسم الفاعل فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه في محل جر بالإضافة.
والثاني : أنه في محل نصب ، وإنما حذف التنوين لشدة اتصال الضمير ، قالوا : ويدل على ذلك وجوده في الضرورة كقولهم :
٧١٤ ـ فما أدري وظنّي كلّ ظنّ |
|
أمسلمني إلى قومي شراحي (٣) |
وقال الآخر :
٧١٥ ـ هم الفاعلون الخير والآمرونه |
|
............... (٤) |
وهذا على تسليم كون نون «مسلمني» تنوينا ، وإلا فالصحيح أنها نون وقاية.
الثالث : وهو مذهب سيبويه أن حكم الضمير حكم مظهره فما جاز في المظهر يجوز في مضمره والمفعول الثاني إماما.
قوله : (لِلنَّاسِ) يجوز فيه وجهان :
__________________
(١) جابر بن زيد الأزدي البصري أبو الشعثاء تابعي ثقة فقيه من الأئمة من أهل البصرة توفي سنة ٩٣ ه تذكرة الحفاظ (١ / ٦٧) ، التهذيب (٢ / ٣٨) ، الحلية (٣ / ٨٥) ، الأعلام (٢ / ١٠٤).
(٢) النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه مولى تيم الله بن ثعلبة الإمام الفقيه المجتهد صاحب المناقب المشهورة توفي سنة ١٥٠ ه وفيات الأعيان (٢ / ٢١٥) ، تهذيب الأسماء للنووي (٢ / ٢١٦) ، معجم المؤلفين (١٣ / ١٠٤).
(٣) البيت ليزيد بن محمد الحارثي انظر الهمع (١ / ٦٥) ، المحتسب (٢ / ٢٢٠) ، الدرر (١ / ٤٣) ، وهو من شواهد البحر (٧ / ٣٦١).
(٤) صدر بيت وعجزه :
إذا اما خشوا من محدث الأمر معظما |
|
............... |
وهو من شواهد الكتاب (١ / ١٨٨) ، شرح المفصل لابن يعيش (٢ / ١٢٥) ، الكامل (٢٦٤) ، معاني الفراء (٢ / ٣٨٦) ، الدرر (٢ / ٢١٥). قال سيبويه قبل إنشاده هذا البيت في كتابه : وقد جاء في الشعر وزعموا أنه مصنوع.