وقول الآخر :
٧٠٣ ـ لنا هضبة لا ينزل الذّلّ وسطها |
|
ويأوي إليها المستجير فيعصما (١) |
والثاني : أن من شروط النصب بالفاء في جواب الأمر أن ينعقد منها شرط جزاء نحو : «ائتني فأكرمك» تقديره : إن أتيتني أكرمتك ، وههنا لا يصح ذلك إذ يصير التقدير : إن تكن تكن فيتحد فعلا الشرط والجزاء معنى وفاعلا ، وقد علمت أنه لا بد من تغايرهما ، وإلا يلزم أن يكون الشيء شرطا لنفسه وهو محال ، قالوا : والمعاملة اللفظية واردة في كلامهم ، نحو ؛ (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا)(٢) (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا)(٣) وقال عمر بن أبي ربيعة :
٧٠٤ ـ فقلت لجنّاد خذ السّيف واشتمل |
|
عليه برفق وارقب الشّمس تغرب |
وأسرج لي الدّهماء واذهب بممطري |
|
ولا يعلمن خلق من النّاس مذهبي (٤) |
فجعل «تغرب» جوابا ل «ارقب» ، وهو غير مترتب عليه ، وكذلك لا يلزم من قوله «تعالى» أن يفعلوا ، وإنما ذلك مراعاة لجانب اللفظ.
أما ما ذكروه في بيت عمر فصحيح ، وأما الآيات فلا نسلم أنه غير مترتب «عليه» لأنه أراد بالعباد الخلص ، ولذلك أضافهم إليه ، أو تقول إن الجزم على حذف لام الأمر وسيأتي تحقيقه في موضعه.
وقال الشيخ جمال الدين بن مالك : إن «أن» الناصبة قد تضمر بعد الحصر بإنما اختيارا ، وحكاه عن بعض الكوفيين قال : وحكوا عن العرب : «إنما هي ضربة من الأسد فتحطم ظهره» بنصب «تحطيم» ، فعلى هذا يكون النصب في قراءة ابن عامر محمولا على ذلك ، إلا أن هذا الذي نصبوه دليلا لا دليل فيه ، لاحتمال أن يكون من باب العطف على الاسم ، تقديره : إنما هي ضربة فحطم كقوله :
٧٠٥ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني |
|
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف (٥) |
وهذا نهاية القول في هذه الآية.
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (١١٩) وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(١٢٠)
قوله تعالى : (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) : «لو لا» و «لو ما» يكونان حرفي ابتداء ، وقد تقدم ذلك عند قوله : (فَلَوْ لا
__________________
(١) البيت لطرفة بن العبد انظر ديوانه (١٩٤) ، وهو من شواهد الكتاب (٣ / ٤٠) ، المحتسب (١ / ١٩٧).
(٢) سورة إبراهيم ، آية (٣١).
(٣) سورة الجاثية ، آية (١٤).
(٤) انظر ديوانه (٤٢٦).
(٥) البيت لميسون بنت بحدل الكلابية زوج معاوية وهو من شواهد الكتاب (٣ / ٤٥) ، الحماسة الشجرية (٢ / ٥٧٣) ، المحتسب (١ / ٣٢٦) ، التصريح (٢ / ٢٤٤) ، الدرر (١٠٢) ، المقتضب (٢ / ٢٦) ، شرح الشذور (٣١٤) ، المغني (١ / ٢٦٧) ، الصاجي (١٤٦ ـ ١٥٥) ، الخزانة (٨ / ٥٠٣) ، والمعنى لبس عباءة مع قرة العين وصفاء العيش أحب إليّ من لبس الثياب الرقاق مع ضيق العيش.