٧٠٠ ـ إذ قالت الأنساع للبطن الحقي (١) |
|
............... |
الثالث : أن يكون معطوفا على «كن» من حيث المعنى ، وهو قول الفارسي ، وضعف أن يكون عطفا على «يقول» ، لأن من المواضع ما ليس فيه «يقول» كالموضع الثاني في آل عمران وهو : (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٢) ولم ير عطفه على «قال» من حيث أنه مضارع فلا يعطف على ماض فأورد على نفسه :
٧٠١ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني |
|
فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني (٣) |
فقال : أمر بمعنى مررت ، قال بعضهم : ويكون في هذه الآية ـ يعني في آية آل عمران ـ بمعنى كان فليجز عطفه على «قال».
وقرأ ابن عامر «فيكون» نصبا هنا ، وفي الأولى من آل عمران ، وهي : (كُنْ فَيَكُونُ) ونعلمه (٤) تحرزا من قوله : (كُنْ فَيَكُونُ ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ)(٥) وفي مريم : (كُنْ فَيَكُونُ وَإِنَّ اللهَ رَبِّي)(٦) وفي غافر : (كُنْ فَيَكُونُ ، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ)(٧) ووافقه الكسائي على ما في النحل (٨) ، ويس (٩) ، وهي : «أن يقول له كن فيكون» أما آيتا النحل ويس فظاهرتان ، لأن قبل الفعل منصوبا يصح عطفه عليه وسيأتي.
وأما ما انفرد به ابن عامر في هذه المواضع الأربعة فقد اضطرب كلام الناس فيها ، وهي لعمري تحتاج فضل وتأمل ، ولذلك تجرأ بعض الناس على هذا الإمام الكبير ، فقال ابن مجاهد (١٠) : قرأ ابن عامر «فيكون» نصبا ، وهذا غير جائز في العربية ، لأنه لا يكون الجواب هنا للأمر بالفاء إلا في يس والنحل ، فإنه نسق لا جواب ، وقال في آل عمران : قرأ ابن عامر وحده : «كن فيكون» بالنصب ، وهو وهم قال : «وقال هشام : كان أيوب بن تميم (١١) يقرأ : فيكون نصبا ، ثم رجع فقرأ فيكون رفعا وقال الزجاج : «كن فيكون : رفع لا غير».
وأكثر ما أجابوا بأن هذا مما روعي فيه ظاهر اللفظ من غير نظر للمعنى ، يريدون أنه قد وجد في اللفظ صورة أمر فنصبنا في جوابه بالفاء ، وأما إذا نظرنا إلى جانب المعنى ، فإن ذلك لا يصح لوجهين :
أحدهما : أن هذا ؛ وإن كان بلفظ الأمر فمعناه الخبر ، نحو : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ)(١٢) أي : فيمدّ وإذا كان معناه الخبر لم ينتصب في جوابه بالفاء إلا ضرورة كقوله :
٧٠٢ ـ سأترك منزلي لبني تميم |
|
وألحق بالحجاز فأستريحا (١٣) |
__________________
(١) وهو من الخصائص (١ / ٢٣) ، الكشاف (١ / ١٨١) ، القرطبي (٢ / ٦٣).
(٢) سورة آل عمران ، آية (٥٩).
(٣) البيت لشمر بن عمرو وهو من شواهد الكتاب (٣ / ٢٤) ، أمالي الشجري (٢ / ٢٠٣) ، الخصائص (٣ / ٣٣٠) ، الهمع (١ / ٩) ، المغني (١ / ١٠٢) ، الدرر (١ / ٤).
(٤) سورة آل عمران ، آية (٤٧).
(٥) سورة آل عمران ، آية (٥٩).
(٦) سورة مريم ، آية (٣٥).
(٧) سورة غافر ، آية (٦٨).
(٨) سورة النحل ، آية (٤٠).
(٩) سورة يس ، آية (٨٢).
(١٠) أحمد بن موسى بن مجاهد المتوفى سنة ٣٢٤ ه غاية النهاية (١ / ١٣٩).
(١١) أيوب بن تميم الدمشقي قرأ عليه ابن ذكوان توفي سنة (١٩٨) ه غاية النهاية (١ / ١٧٢).
(١٢) سورة مريم ، آية (٧٥).
(١٣) البيت للمغيرة بن حبناء وهو من شواهد الكتاب (٣ / ٣٩) ، شرح المفصل لابن يعيش (١ / ٢٧٩) ، المحتسب (١ / ١٩٧) ، الهمع (١ / ٧٧) ، الخزانة (٣ / ٦٠٠) ، الدرر (١ / ٥١).