قوله : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) الفاء وما بعدها جواب الشرط ، فالجملة في محل جزم «وثم» خبر مقدم و «وجه الله» رفع بالابتداء و «ثم» اسم إشارة للمكان البعيد خاصة مثل : هنّا وهنّا بتشديد النون وهو مبني على الفتح لتضمنه معنى حرف الإشارة أو حرف الخطاب.
قال أبو البقاء : «لأنك تقول في الحاضر : هنا وفي الغائب هناك ، وثم ناب عن هناك» وهذا ليس بشيء. وقيل : بني لشبهه بالحرف في الافتقار فإنه يفتقر إلى مشار إليه ، ولا يتصرف بأكثر من جره ب «من» ولذلك غلط بعضهم في جعله مفعولا به في قوله : (إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ)(١) بل مفعول «رأيت» محذوف. ومعنى «وجه الله» جهته التي ارتضاها قبلة ، وأمر بالتوجه نحوها أو ذاته نحو : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)(٢) أو المراد به الجاه أي فثم جلال الله وعظمته من قولهم : هو وجه القوم أو يكون صلة زائدا وليس بشيء ، وقيل : المراد به العمل قاله الفراء وعليه قوله :
٦٩٤ ـ أستغفر الله ذنبا لست محصيه |
|
ربّ العباد إليه الوجه والعمل (٣) |
(وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (١١٦)
قوله تعالى : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ) : الجمهور : وقالوا بالواو عطفا لهذه الجملة الخبرية على ما قبلها وهو أحسن في الربط. وقيل : هي معطوفة على قوله : وسعى فيكون قد عطف على الصلة مع الفعل بهذه الجمل الكثيرة ، وهذا ينبغي أن ينزه القرآن عن مثله. وقرأ ابن عامر وكذلك هي في مصاحف الشام ـ «قالوا» من غير واو وذلك يحتمل وجهين :
أحدهما : الاستئناف.
والثاني : حذف حرف العطف وهو مراد استغناء عنه بربط الضمير بما قبل هذه الجملة «واتخذ» يجوز أن يكون بمعنى عمل وصنع ، فيتعدى لمفعول واحد ، وأن يكون بمعنى صير فيتعدى لاثنين ، ويكون الأول هنا محذوفا تقديره : «وقالوا اتخذ الله بعض الموجودات ولدا» إلا أنه مع كثرة دور هذا التركيب لم يذكر معها إلا مفعول واحد : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً)(٤) (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ)(٥) (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً)(٦) والوالد : فعل بمعنى مفعول كالقبض والنقص وهو غير مقيس ، والمصدر : الولادة والوليدية ، وهذا الثاني غريب جدا.
قوله : (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ) بل إضراب وانتقال ، وله خبر مقدم ، وما مبتدأ مؤخر ، وأتى هنا ب «ما» لأنه إذا اختلط العاقل بغيره ، كان المتكلم مخيرا في «ما» و «من» ولذلك لما اعتبر العقلاء غلبهم في قوله «قانتون» فجاء بصيغة السلامة المختصة بالعقلاء. قال الزمخشري «فإن قلت : كيف جاء ب «ما» التي لغير أولي العلم مع قوله : «قانتون» قلت : هو كقوله : «سبحان ما سخركن» وكأنه جاء ب «ما» دون «من» تحقيرا لهم وتصغيرا لشأنهم ،
__________________
(١) سورة الإنسان ، آية (٢٠).
(٢) سورة القصص ، آية (٨٨).
(٣) البيت من شواهد الكتاب (١ / ٣٧) ، الخصائص (٣ / ٢٤٧) ، شرح المفصل لابن يعيش (٧ / ٦٣) ، الهمع (٢ / ٨٢) ، الشذور (٤٤٥) ، الدرر (٢ / ١٠٦).
(٤) سورة الأنبياء ، آية (٩٦).
(٥) سورة المؤمنون ، آية (٩١).
(٦) سورة مريم ، آية (٩٢).