المصدر هل يعمل أو لا؟ وأنشدوا على إعماله :
٦٨٩ ـ أكفرا بعد ردّ الموت عنّي |
|
وبعد عطائك المئة الرّتاعا (١) |
وقال غيره هو مصدر خرب المكان يخرب خرابا ، فالمعنى : سعى في أن تخرب هي بنفسها بعدم تعاهدها بالعمارة ، ويقال : منزل خراب وخرب كقوله :
٦٩٠ ـ ما ربح ميّة معمور يطيف به |
|
غيلان أبهى ربى من ربعها الخرب (٢) |
فهو على الأول مضاف للمفعول ، وعلى الثاني مضاف للفاعل.
قوله : (ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها) : «لهم» خبر «كان» مقدم على اسمها واسمها «أن يدخلوها» لأنه في تأويل المصدر ، أي : ما كان لهم الدخول ، والجملة المنفية في محل رفع خبرا عن «أولئك».
قوله : (إِلَّا خائِفِينَ) حال من فاعل «يدخلوها» وهذا استثناء مفرغ من الأحوال لأن التقدير : ما كان لهم الدخول في جميع الأحوال إلا في حالة الخوف. وقرأ أبي «خيّفا» وهو جمع خائف كضارب وضرب ، والأصل : خوّف كصوّم إلا أنه أبدل الواوين ياءين وهو جائز قالوا : صوّم وصيّم ، وحمل أولا على لفظ «من» ، فأفرد في قوله : «منع وسعى» وعلى معناها ثانيا فجمع في قوله : «أولئك» وما بعده.
قوله : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) هذه الجملة وما بعدها لا محل لها لاستئنافها عما قبلها ، ولا يجوز أن تكون حالا لأن خزيهم ثابت على كل حال ، لا يتقيد بحال دخول المساجد خاصة.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) : جملة مرتبطة بقوله : منع مساجد الله وسعى في خرابها يعني أنه إن سعى ساع في المنع من ذكره ـ تعالى ـ وفي خراب بيوته فليس ذلك مانعا من أداء العبادة في غيرها ، لأن المشرق والمغرب وما بينهما له ـ تعالى ـ والتنصيص على ذكر المشرق والمغرب دون غيرهما لوجهين :
أحدهما : لشرفهما حيث جعلا لله تعالى.
والثاني : أن يكون من حذف المعطوف للعلم ، أي : لله المشرق والمغرب وما بينهما ، كقوله : (تَقِيكُمُ الْحَرَّ)(٣) أي والبرد وكقول الشاعر :
٦٩١ ـ تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة |
|
نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف (٤) |
أي : يداها ورجلاها ومثله :
__________________
(١) تقدم.
(٢) البيت لأبي تمام انظر ديوانه (١٩) ، وهو من شواهد البحر (١ / ٣٥٥).
(٣) سورة النحل ، آية (٨١).
(٤) البيت للفرزدق انظر ديوانه (٥٧٠) ، وهو من شواهد الكتاب (١ / ٢٨) ، أمالي ابن الشجري (١ / ١٤٢) ، سر الصناعة (١ / ٢٨) ، الخزانة (٤ / ٤٢٤) ، الكامل (١ / ٢٥٣) ، المقتضب (٢ / ٢٥٦) ، الخصائص (٢ / ٣٥١). الهاجرة : وقت اشتداد الحر في الظهر. فيراها لشدة وقعها في الحصى تنفيانه فيقرع بعضه بعضا ويسمع له صليل كالدنانير إذا انتقدها الصيرفي لينفي رديئها عن جيدها.