كَذَبَ عَلَى اللهِ)(١) وكل واحدة منها تقتضي أن المذكور فيها لا يكون أحد أظلم منه ، فكيف يوصف غيره بذلك؟ وفي ذلك ثلاثة أجوبة :
أحدها : ـ ذكره هذا السائل ـ وهو أن يخص كل واحد بمعنى صلته ، كأنه قال : لا أحد من المانعين أظلم ممن منع مساجد الله ، ولا أحد من المفترين أظلم ممن افترى على الله ، ولا أحد من الكذابين أظلم ممن كذب على الله ، وكذلك ما جاء منه.
الثاني : أن التخصيص يكون بالنسبة إلى السبق لما لم يسبق أحد إلى مثله حكم عليهم بأنهم أظلم ممن جاء بعدهم سالكا طريقتهم في ذلك ، وهذا يؤول معناه إلى السبق في المانعية والافترائية ونحوهما.
الثالث : أن هذا نفي للأظلمية ، ونفي الأظلمية لا يستدعي نفي الظالمية ، لأن نفي المقيد لا يدل على النفي المطلق وإذا لم يدل على نفي الظالمية لم يكن مناقضا لأن فيها إثبات التسوية في الأظلمية ، وإذا ثبتت التسوية في الأظلمية لم يكن أحد ممن وصف بذلك يزيد على الآخر ، لأنهم متساوون في ذلك ، وصار المعنى : ولا أحد أظلم ممن منع وممن افترى وممن ذكّر ، ولا إشكال في تساوي هؤلاء في الأظلمية ، ولا يدل ذلك على أن أحد هؤلاء يزيد على الآخر في الظلم ، كما أنك إذا قلت : «لا أحد أفقه من زيد وبكر وخالد» لا يدل على أن أحدهم أفقه من الآخر ، بل نفيت أن يكون أحد أفقه منهم لا يقال : إن من منع مساجد الله وسعى في خرابها ، ولم يفتر على الله كذبا ، أقل ظلما ممن جمع بين هذه الأشياء ، فلا يكونون متساوين في الأظلمية ، لأن هذه الآيات كلها في الكفار وهم متساوون في الأظلمية ، وإن كان طرق الأظلمية مختلفة.
و «من» يجوز أن تكون موصولة فلا محل للجملة بعدها ، وأن تكون موصوفة فتكون الجملة في محل جر صفة لها و «مساجد» مفعول أول لمنع وهي جمع مسجد ، وهو اسم مكان السجود ، وكان من حقه أن يأتي على مفعل بالفتح لانضمام عين مضارعه ، ولكن شذ كسره كما شذت ألفاظ يأتي ذكرها ، وقد سمع «مسجد» بالفتح على الأصل ، وقد تبدل جيمه ياء ومنه : المسبد في لغة.
قوله : (أَنْ يُذْكَرَ) ناصب ومنصوب وفيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه مفعول ثان لمنع تقول : منعته كذا.
من أجله أي : كراهة أن يذكر ، وقال الشيخ (٢) : «فتعين حذف مضاف أي دخول مساجد الله وما أشبهه».
والثالث : أنه بدل اشتمال من «مساجد» أي : منع ذكر اسمه فيها.
الرابع : أنه على إسقاط حرف الجر ، والأصل : من أن يذكر ، وحينئذ يجيء فيها المذهبان المشهوران من كونها في محل نصب أو جر.
و «في خرابها» متعلق بسعى. واختلف في «خراب» فقال أبو البقاء : «هو اسم مصدر بمعنى التخريب كالسلام بمعنى التسليم ، وأضيف اسم المصدر لمفعوله لأنه يعمل عمل الفعل. وهذا على أحد القولين في اسم
__________________
(١) سورة الزمر ، آية (٣٢).
(٢) انظر البحر المحيط (١ / ٣٥٨).