قوله : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) في هذا الجار ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه
متعلق بود أي : ودوا ذلك من قبل شهواتهم لا من قبل التدين و «من» لابتداء الغاية.
الثاني : أنه
صفة ل «حسدا» فهو في محل نصب ، ويتعلق بمحذوف أي : حسدا كائنا من قبلهم وشهوتهم ،
ومعناه قريب من الأول.
الثالث : أنه
متعلق بيردونكم و «من» للسببية أي : يكون الرد من تلقائهم وجهتهم وبإغوائهم. قوله «من
بعد ما» متعلق ب «ود» و «من» للابتداء أي إن ودادتهم ذلك ابتدأت من حين وضوح الحق
وتبينه لهم فكفرهم عناد ، وما مصدرية أي : من بعد تبين الحق ، والحسد : تمنى زوال
نعمة الإنسان ، والمصدر حسد وحسادة ، والصفح قريب من العفو مأخوذ من الإعراض بصفحة
العنق ، وقيل : معناه التجاوز من تصفحت الكتاب أي : جاوزت ورقه ، والصفوح من أسماء
الله ، والصفوح أيضا : المرأة تستر وجهها إعراضا قال :
٦٨١ ـ صفوح
فما تلقاك إلّا بحيلة
|
|
فمن ملّ منها
ذلك الوصل ملّت
|
قوله : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ
خَيْرٍ) كقوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ
آيَةٍ) فيجوز في «ما» أن تكون مفعولا بها وأن تكون واقعة موقع
المصدر ، ويجوز في من خير الأربعة الأوجه التي في «من آية» من كونه مفعولا به أو
حالا أو تمييزا أو متعلقا بمحذوف و «من» تبعيضية وقد تقدم تحقيقها فليراجع ثمة ، و
«لأنفسكم» متعلق بتقدموا أي : لحياة أنفسكم فحذف و «تجدوه» جواب الشرط وهي
المتعدية لواحد ، لأنها بمعنى الإصابة ، ومصدرها الوجدان بكسر الواو كما تقدم ،
ولا بد من حذف مضاف أي : تجدوا ثوابه ، وقد جعل الزمخشري الهاء عائدة على «ما» وهو
يريد ذلك لأن الخير المتقدم سبب منقض لا يوجد إنما يوجد ثوابه. قوله : «عند الله»
يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه
متعلق ب «تجدوه».
والثاني : أنه
متعلق بمحذوف على أنه حال من المفعول أي : تجدوا ثوابه مدخرا معدا عند الله ،
والظرفية هنا مجاز نحو : «لك عند فلان يد».
(وَقالُوا لَنْ
يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(١١١)
قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً)
: من فاعل بقوله
«يدخل» وهو استثناء مفرغ ، فإن ما قبل «إلا» مفتقر لما بعدها ، والتقدير : لن يدخل
الجنة أحد ، وعلى مذهب الفراء يجوز في «من» وجهان آخران وهما النصب على الاستثناء
، والرفع على البدل من «أحد» المحذوف فإن الفراء يراعي المحذوف ، وهو لو صرح به
لجاز في المستثنى الوجهان المذكوران ، فكذلك مع تقديره عنده ، وقد تقدم تحقيق
المذهبين.
والجملة من
قوله : «لن يدخل الجنة إلا من» في محل نصب بالقول وحمل أولا على لفظ «من» فأفرد
الضمير
__________________