أي : فلقد كان ، وقال الكوفيون : الأصل : ما كانت تتلوا الشياطين ولا يريدون ، بذلك أن صلة «ما» محذوفة وهي «كانت» و «تتلوا» في موضع الخبر وإنما قصدوا تفسير المعنى وهو نظير : «كان زيد يقوم» المعنى على الإخبار بقيامة في الزمن الماضي.
وقرأ الحسن والضحاك : «الشياطون» إجراء له مجرى جمع السلامة ، قالوا : هو غلط. وقال بعضهم : لحن فاحش. وحكى الأصمعي : «بستان فلان حوله بساتون» وهو يقوي قراءة الحسن.
قوله : (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) فيه قولان :
أحدهما : أنه على معنى في أي : في زمن ملكه ، والملك هنا شرعه.
والثاني : أن يضمن تتلو معنى : تتقول أي : تتقول على ملك سليمان ، وتقول يتعدى بعلى قال تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ)(١) وهذا الثاني أولى ، فإن التجوز في الأفعال أولى من التجوز في الحروف ، وهو مذهب البصريين كما مر غير مرة.
وإنما أحوج إلى هذين التأويلين لأن تلا إذا تعدى ب «على» كان المجرور ب «على» شيئا يصح أن يتلى عليه نحو : تلوت على زيد القرآن والملك ليس كذلك. والتلاوة : الاتّباع أو القراءة ، وهو قريب منه. وسليمان علم أعجمي ، فلذلك لم ينصرف. وقال أبو البقاء : «وفيه ثلاثة أسباب : العجمة والتعريف والألف والنون» وهذا إنما يثبت بعد دخول الاشتقاق فيه ، والتصريف حتى تعرف زيادتهما وقد تقدم أنهما لا يدخلان في الأسماء الأعجمية ، وكرر قوله «وما كفر سليمان» بذكره ظاهرا تفخيما له وتعظيما كقوله :
٦٤٤ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
............... (٢) |
وقد تقدم تحقيق ذلك.
قوله : (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) هذه الواو عاطفة جملة الاستدراك على ما قبلها ، وقرأ ابن عامر والكسائي وحمزة بتخفيف «لكن» ورفع ما بعدها ، والباقون بالتشديد والنصب وهو واضح. وأما القراءة الأولى فتكون لكن مخففة من الثقيلة جيء بها لمجرد الاستدراك ، وإذا خففت لم تعمل عند الجمهور ، ونقل جواز ذلك عن يونس والأخفش ، وهل تكون عاطفة؟ الجمهور على أنها تكون عاطفة إذا لم يكن معها الواو ، وكان ما بعدها مفردا ، وذهب يونس إلى أنها لا تكون عاطفة وهو قوي ، فإنه لم يسمع من لسانهم : ما قام زيد لكن عمرو ، وإن وجد ذلك في كتب النحويين فمن تمثيلاتهم ، ولذلك لم يمثل بها سيبويه إلا مع الواو ، وهذا يدل على نفيه. وأما إذا وقعت بعدها الجمل فتارة تقترن بالواو ، وتارة لا تقترن ، قال زهير :
٦٤٥ ـ إنّ ابن ورقاء لا تخشى بوادره |
|
لكن وقائعه في الحرب تنتظر (٣) |
وقال الكسائي والفراء : «الاختيار تشديدها إذا كان قبلها واو ، وتخفيفها إذا لم يكن» وهذا جنوح منهما إلى القول بكونها حرف عطف. وأبعد من زعم أنها مركبة من ثلاث كلمات : لا النافية ، وكاف الخطاب ، وأن التي
__________________
(١) سورة الحاقة ، آية (٤٤).
(٢) تقدم.
(٣) انظر ديوانه (٥٣) ، المغني (١ / ٢٩٢) ، العيني (٤ / ١٧٨) ، الدرر (٢ / ١٨٩) ، وهو من شواهد البحر (١ / ٦٢).