قوله تعالى : (الْكِتابَ كِتابَ اللهِ) والكتاب مفعول ثان ل «أوتوا» لأنه يتعدى في الأصل إلى اثنين ، فأقيم الأول مقام الفاعل وهو الواو ، وبقي الثاني منصوبا وقد تقدم أنه عند السهيلي مفعول أول و «كتاب الله» مفعول نبذ و «وراء» منصوب على الظرف ، وناصبه «نبذ» وهذا مثل لإهمالهم التوراة ، تقول العرب : «جعل هذا الأمر وراء ظهره ، ودبر أذنه» أي : أهمله ، قال الفرزدق :
٦٤٠ ـ تميم بن مرّ لا تكوننّ حاجتي |
|
بظهر فلا يعيا عليّ جوابها (١) |
والنّبذ ـ الطّرح ـ كما تقدم ـ وقال بعضهم (٢) : «النبذ والطرح والإلقاء متقاربة ، إلا أن النبذ أكثر ما يقال في المبسوط والجاري مجراه ، والإلقاء فيما يعتبر فيه ملاقاة بين شيئين» ومن مجيء النبذ بمعنى الطرح قوله :
٦٤١ ـ إن الذين أمرتهم أن يعدلوا |
|
نبذوا كتابك واستحلوا المحرما (٣) |
وقال أبو الأسود :
٦٤٢ ـ وخبّرني من كنت أرسلت أنّما |
|
أخذت كتابي معرضا بشمالكا |
نظرت إلى عنوانه فنبذته |
|
كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا (٤) |
قوله : (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) جملة في محل نصب على الحال وصاحبها : فريق وإن كان نكرة لتخصيصه بالوصف ، والعامل فيها : نبذ ، والتقدير : مشبهين للجهال. ومتعلق العلم محذوف تقديره : أنه كتاب الله لا يداخلهم فيه شك ، والمعنى : أنهم كفروا عنادا.
قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) : هذه الجملة معطوفة على مجموع الجملة السابقة من قوله : (وَلَمَّا جاءَهُمْ) إلى آخرها.
وقال أبو البقاء : «إنها معطوفة على «أشربوا» أو على «نبذ فريق» وهذا ليس بظاهر ، لأن عطفها على «نبذ» يقتضي كونها جوابا لقوله : (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ) واتّباعهم لما تتلوا الشياطين ليس مترتبا على مجيء الرسول ، بل كان اتباعهم لذلك قبله ، فالأولى أن تكون معطوفة على جملة لما كما تقدم. و «ما» موصولة وعائدها محذوف ، والتقدير : تتلوه. وقيل : «ما» نافية ، وهذا غلط فاحش لا يقتضيه نظم الكلام البتة ، نقل ذلك ابن العربي (٥) و «يتلو» في معنى ثلث ، فهو مضارع واقع موقع الماضي كقوله :
٦٤٣ ـ وإذا مررت بقبره فاعقر به |
|
كوم الهجان وكلّ طرف سابح |
وانضح جوانب قبره بدمائها |
|
فلقد يكون أخا دم وذبائح (٦) |
__________________
(١) انظر ديوانه (٨٠) ، الأضداد (٢٥٦) ، القرطبي (٢ / ٢٩).
وروايته في الديوان :
تميم بن زيد لا تهوننّ حاجتي |
|
لديك ولا يعيا على جوابها |
(٢) انظر البحر المحيط (١ / ٣٢٥).
(٣) البيت من شواهد القرطبي (٢ / ٢٩).
(٤) انظر ديوانه (٤٩) ، القرطبي (٢ / ٢٩).
(٥) تقدمت ترجمته.
(٦) البيتان لزياد الأعجمي انظرهما في الأمالي للقالي (٣ / ١١) ، وابن الشجري (١ / ٣٠٤) ، والخزانة (٤ / ١٩٢) ، القرطبي (٢ / ٣٠).