الزيدان ، وما هو يقوم زيد ، والبصريون يأبون تفسيره إلا بجملة مصرح بجزئيها سالمة من حرف جر ، وقد تقدم تحقيق القولين.
الخامس : أنه عماد نعني به الفصل عند البصريين ، نقله ابن عطية عن الطبري عن طائفة ، وهذا يحتاج إلى إيضاح : وذلك أن بعض الكوفيين يجيزون تقديم العماد مع الخبر المقدم ، يقولون في : زيد هو القائم : هو القائم زيد ، وكذلك هنا فإن الأصل عند هؤلاء أن يكون «بمزحزحه» خبرا مقدما و «أن يعمر» مبتدأ مؤخرا و «هو» عماد والتقدير : وما تعميره هو بمزحزحه فلما قدم الخبر قدم معه العماد. والبصريون لا يجيزون شيئا من ذلك. و «من العذاب» متعلق بقوله : «بمزحزحه» و «من» لابتداء الغاية. والزحزحة : التنحية تقول : زحزحته فزحزح ، فيكون قاصرا ومتعديا ، فمن مجيئه متعديا قوله :
٦٢٥ ـ يا قابض الرّوح من نفس إذا احتضرت |
|
وغافر الذّنب زحزحني عن النّار (١) |
وأنشده ذو الرمة :
٦٢٦ ـ يا قابض الرّوح من جسم عصى زمنا (٢) |
|
............... |
ومن مجيئه قاصرا قول الآخر :
٦٢٧ ـ خليليّ ما بال الدّجى لا يزحزح |
|
وما بال ضوء الصّبح لا يتوضّح (٣) |
قوله : «أن يعمر» إما أن يكون فاعلا أو بدلا من «هو» أو مبتدأ حسب ما تقدم من الإعراب في «هو».
(وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) مبتدأ وخبره و «بما» متعلق ببصير. و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية أو نكرة موصوفة ، والعائد على كلا القولين محذوف أي : يعملونه ، ويجوز أن تكون مصدرية أي : بعملهم ، والجمهور «يعملون» بالياء نسقا على ما تقدم ، والحسن وغيره «تعملون» بالتاء للخطاب على الالتفات وأتى بصيغة المضارع ، وإن كان علمه محيطا بأعمالهم السالفة مراعاة لرؤوس الآي ، وختم الفواصل.
(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ)(٩٧)
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ) .. «من» شرطية في محل رفع بالابتداء و «كان» خبره على ما هو الصحيح كما تقدم ، وجوابه محذوف تقديره : من كان عدوا لجبريل ، فلا وجه لعداوته أو فليمت غيظا ونحوه. ولا جائز أن يكون «فإنه نزله» جوابا للشرط لوجهين :
أحدهما من جهة المعنى.
والثاني من جهة الصناعة.
أما الأول : فلأن فعل التنزيل متحقق المضي ، والجزاء لا يكون إلا مستقبلا ، ولقائل أن يقول : هذا محمول
__________________
(١) البيت لذي الرمة انظر ملحقات ديوانه (١٨٧٥) ، القرطبي (٢ / ٢٥).
(٢) البيت من شواهد القرطبي (٢ / ٢٦).
(٣) البيت من شواهد القرطبي (٢ / ٢٦).