على التبيين والمعنى : فقد تبين أنه نزله كما قالوا في قوله : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ)(١) ونحوه.
وأما الثاني : فلأنه لا بد في جملة الجزاء من ضمير يعود على اسم الشرط فلا يجوز : من يقم فزيد منطلق ، ولا ضمير في قوله : «فإنه نزله» يعود على «من» فلا يكون جوابا للشرط ، وقد جاءت مواضع كثيرة من ذلك ، ولكنهم أولوها على حذف العائد فمن ذلك قوله :
٦٢٨ ـ فمن تكن الحضارة أعجبته |
|
فأيّ رجال بادية تراني (٢) |
وقوله :
٦٢٩ ـ فمن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإنّي وقيّار بها لغريب (٣) |
وينبغي أن يبنى ذلك على الخلاف في خبر اسم الشرط. فإن قيل : إن الخبر هو الجزاء وحده ـ أو هو مع الشرط ـ فلا بد من الضمير ، وإن قيل فإنه فعل الشرط وحده فلا حاجة إلى الضمير ، وقد تقدم قول أبي البقاء وغيره في ذلك عند قوله تعالى : (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ)(٤) وقد صرح الزمخشري بأنه جواب الشرط ، وفيه النظر المذكور وجوابه ما تقدم.
و «عدوا» خبر كان ويستوي فيه الواحد وغيره قال : (هُمُ الْعَدُوُّ)(٥) والعداوة : التجاوز. قال الراغب : «فبالقلب يقال العداوة وبالمشي يقال : العدو وبالإخلال في العدل. يقال : العدوان ، وبالمكان أو النسب يقال : قوم عدي أي غرباء» و «لجبريل» يجوز أن يكون صفة ل «عدوا» فيتعلق بمحذوف وأن تكون اللام مقوية لتعدية «عدوا» إليه وجبريل اسم ملك وهو أعجمي ، فلذلك لم ينصرف ، وقول من قال : «إنه مشتق من جبروت الله» بعيد ؛ لأن الاشتقاق لا يكون في «الأسماء» الأعجمية ، وكذا قول من قال : «إنه مركب تركيب الإضافة وأن «جبر» معناه عبد و «إيل» اسم من أسماء الله ـ تعالى ـ فهو بمنزلة عبد الله» لأنه كان ينبغي أن يجري الأول بوجوه الإعراب وأن ينصرف الثاني ، وكذا قول المهدوي : إنه مركب تركيب مزج نحو : حضر موت ، لأنه كان ينبغي أن يبنى الأول على الفتح ليس إلا.
وأما رد الشيخ (٦) عليه بأنه لو كان مركبا تركيب مزج ، لجاز فيه أن يعرب إعراب المتضايفين ، أو يبنى على الفتح كأحد عشر ، فإن كل ما ركب تركيب المزج يجوز فيه هذه الأوجه ، وكونه لم يسمع فيه البناء ولا جريانه مجرى المتضايفين ، دليل على عدم تركيبه تركيب المزج ، فلا يحسن ردا لأنه جاء على أحد الجائزين ، واتفق أنه لم يستعمل إلا كذلك.
وقد تصرفت فيه العرب على عادتها في الأسماء الأعجمية ، فجاءت فيه بثلاث عشرة لغة.
أشهرها وأفصحها : جبريل بزنة قنديل ، وهي قراءة أبي عمرو ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم. وهي لغة
__________________
(١) سورة يوسف ، آية (٢٦).
(٢) البيت للقطامي انظر ديوانه (٥٨) ، المغني (٢ / ٥٠٧) ، اللسان حضر.
(٣) البيت لضابئ البرجمي وهو من شواهد الكتاب (١ / ٧٥) ، شرح المفصل لابن يعيش (٨ / ٦٨) ، الهمع (٢ / ١٤٤) ، الدرر (٢ / ٢٠٠).
(٤) سورة البقرة ، آية (٣٨).
(٥) سورة المنافقون ، آية (٤).
(٦) انظر البحر المحيط (١ / ٣١٧).