وينسبك منها وما بعدها مصدر يكون مفعولا ليود ، والتقدير : يود أحدهم تعميره ألف سنة. واستدل أبو البقاء بأن الامتناعية معناها في الماضي ، وهذه يلزمها المستقبل ك «أن» وبأن «يود» يتعدى لمفعول وليس مما يعلق ، وبأن «أن» قد وقعت بعد يود في قوله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ)(١) وهو كثير ، وموضع الرد عليه غير الكتاب.
الثالث ـ وإليه نحا الزمخشري ـ : أن يكون معناها التمني ، فلا تحتاج إلى جواب لأنها في قوة : يا ليتني أعمر ، وتكون الجملة من لو وما في حيزها في محل نصب مفعولا به على طريق الحكاية بيود ، إجراء له مجرى القول. قال الزمخشري : «فإن قلت : كيف اتصل لو يعمر بيود أحدهم؟ قلت : هي حكاية لودادتهم و «لو» في معنى التمني ، وكان القياس : «لو أعمر» إلا أنه جرى على لفظ الغيبة لقوله : «يود أحدهم» كقولك : «حلف بالله ليفعلن انتهى» وقد تقدم شرحه إلا قوله : «وكان القياس لو أعمر ، يعني بذلك أنه كان من حقه أن يأتي بالفعل مسندا للمتكلم وحده ، وإنما أجرى «يود» مجرى القول لأن «يود» فعل قلبي ، والقول ينشأ عن الأمور القلبية».
و (أَلْفَ سَنَةٍ) منصوب على الظرف بيعمر وهو متعد لمفعول واحد ، قد أقيم مقام الفاعل. وفي «سنة» قولان :
أحدهما : أن أصلها : سنوة لقولهم : سنوات وسنية وسانيت.
والثاني : أنها من سنهة لقولهم : سنيات وسنيهة وسانهت ، واللغتان ثابتتان عن العرب كما ذكرت لك.
قوله : (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ) في هذا الضمير خمسة أقوال :
أحدها : أنه عائد على «أحد» وفيه حينئذ وجهان :
أحدهما : أنه اسم «ما» الحجازية و «بمزحزحه» خبر «ما» فهو في محل نصب ، والباء زائدة و «أن يعمر» فاعل بقوله «بمزحزحه» والتقدير : وما أحدهم مزحزحه تعميره. ـ الثاني من الوجهين في «هو» : أن يكون مبتدأ و «بمزحزحه» خبره و «أن يعمر» فاعل به كما تقدم ، وهذا على كون «ما» تميمية ، والوجه الأول أحسن لنزول القرآن بلغة الحجاز ، وظهور النصب في قوله : (ما هذا بَشَراً)(٢) (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ)(٣).
الثاني من الأقوال : أن يعود على المصدر المفهوم من «يعمر» أي : وما تعميره ويكون قوله : «أن يعمر» بدلا منه ، ويكون ارتفاع «هو» على الوجهين المتقدمين أعني كونه اسم «ما» أو مبتدأ.
الثالث : أن يكون كناية عن التعمير ، ولا يعود على شيء قبله ويكون «أن يعمر» بدلا منه مفسرا له ، والفرق بين هذا وبين القول الثاني أن ذاك تفسيره شيء متقدم مفهوم من الفعل ، وهذا مفسر بالبدل بعده وقد تقدم أن في ذلك خلافا ، وهذا ما عنى الزمخشري بقوله : ويجوز أن يكون «هو» مبهما و «أن يعمر» موضحه.
الرابع : أنه ضمير الأمر والشأن ، وإليه نحا الفارسي في «الحلبيات» موافقة للكوفيين ، فإنهم يفسرون ضمير الأمر بغير جملة إذا انتظم من ذلك إسناد معنوي نحو : ظننته قائما الزيدان ، وما هو بقائم زيد لأنه في قوة : ظننته يقوم
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (٢٦٦).
(٢) سورة يوسف ، آية (٣١).
(٣) سورة المجادلة ، آية (٢).