الثالث : أن في
الكلام حذفا وتقديما وتأخيرا ، والتقدير : ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص
الناس فيكون (مِنَ الَّذِينَ
أَشْرَكُوا) صفة لمحذوف ، ذلك المحذوف معطوف على الضمير في «لتجدنهم»
وهذا وإن كان صحيحا من حيث المعنى ، ولكنه ينبو عنه التركيب لا سيما على قول من
يخص التقديم والتأخير بالضرورة ، وعلى القول بانقطاعه من «أفعل» يكون «من الذين
أشركوا» خبرا مقدما و «يود أحدهم» صفة لمبتدإ محذوف تقديره : ومن الذين أشركوا قوم
أو فريق ، يود أحدهم وهو من الأماكن المطرد فيها حذف الموصوف بجملته ، كقوله (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ
مَعْلُومٌ) وقوله : منا ظعن ومنا أقام. والظاهر أن الذين أشركوا
غير اليهود كما تقدم. وأجاز الزمخشري أن يكون من اليهود لأنهم قالوا : عزير ابن
الله ، فيكون إخبارا بأن من هذه الطائفة التي اشتد حرصها على الحياة من يود لو
يعمر ألف سنة ، ويكون من وقوع الظاهر المشعر بالغلبة موقع المضمر ، إذ التقدير :
ومنهم قوم يود أحدهم. وقد ظهر مما تقدم أن الكلام من باب عطف المفردات على القول
بدخول «من الذين أشركوا» تحت أفعل ، ومن باب عطف الجمل على القول بالانقطاع.
قوله : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ) هذا مبني على ما تقدم ، فإن قيل بأن (مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) داخل تحت «أفعل» كان في «يود» خمسة أوجه :
أحدها : أنه
حال من الضمير في «لتجدنهم» أي : لتجدنهم وادّا أحدهم.
الثاني : أنه
حال من الذين أشركوا فيكون العامل فيه «أحرص» المحذوف.
الثالث : أنه
حال من فاعل «أشركوا».
الرابع : أنه
مستأنف استؤنف للإخبار بتبيين حال أمرهم في ازدياد حرصهم على الحياة.
الخامس : وهو
قول الكوفيين : أنه صلة لموصول محذوف ، ذلك الموصول صفة للذين أشركوا ، والتقدير :
ومن الذين أشركوا الذين يود أحدهم. وإن قيل بالانقطاع فيكون في محل رفع لأنه صفة
لمبتدإ محذوف كما تقدم. و «أحد» هنا بمعنى واحد ، وهمزته بدل من واو وليس هو «أحد»
المستعمل في النفي ، فإن ذاك همزته أصل بنفسها ، ولا يستعمل في الإيجاب المحض و «يود»
مضارع وددت بكسر العين في الماضي ، فلذلك لم تحذف الواو في المضارع ، لأنها لم تقع
بين ياء وكسرة بخلاف «يعد» وبابه ، وحكى الكسائي فيه «وددت» بالفتح. قال بعضهم : «فعلى
هذا يقال يود بكسر الواو» والودادة التمني.
قوله : (لَوْ يُعَمَّرُ) في «لو» هذه ثلاثة أقوال :
أحدها ـ وهو
الجاري على قواعد نحاة البصرة ـ : أنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، وجوابها
محذوف لدلالة «يود» عليه وحذف مفعول «يود» لدلالة «لو يعمر» عليه ، والتقدير : يود
أحدهم طول العمر لو يعمر ألف سنة لسر بذلك ، فحذف من كل واحد ما دل عليه الآخر ،
ولا محل لها حينئذ من الإعراب.
والثاني ـ وبه
قال الكوفيون وأبو علي الفارسي وأبو البقاء ـ : أنها مصدرية بمنزلة أن الناصبة ،
فلا يكون لها جواب
__________________