معرفة غير محضة و «أحرص» أفعل تفضيل ف «من» مرادة معها ، وقد أضيفت لمعرفة فجاءت على أحد الجائزين ، أعني عدم المطابقة وذلك أنها إذا أضيفت إلى معرفة على نية «من» جاز فيها وجهان : المطابقة لما قبلها نحو : الزيدان أفضلا الرجال ، والزيدون أفاضل الرجال ، وهند فضلى النساء ، والهنود فضليات النساء ، ومنه قوله : (أَكابِرَ مُجْرِمِيها)(١) وعدمها نحو : الزيدون أفضل الرجال ، وعليه هذه الآية ، وكلا الوجهين فصيح خلافا لابن السراج حيث ادعى تعين الإفراد ، ولأبي منصور الجواليقي (٢) حيث زعم أن المطابقة أفصح ، وإذا أضيفت لمعرفة لزم أن تكون بعضها ، ولذلك منع النحويون : «يوسف أحسن أخوته» على معنى التفضيل وتأولوا ما يوهم غيره نحو : «الناقص والأشج أعدلا بني مروان» (٣) بمعنى العادلان فيهم ، وأما :
٦٢٤ ـ يا ربّ موسى أظلمي وأظلمه |
|
فاصبب عليه ملكا لا يرحمه (٤) |
فشاذ وسوغ ذلك كون «أظلم» الثاني مقحما كأنه قال : «أظلمنا». وأما إذا أضيف لنكرة فقد سبق حكمها عند قوله : (أَوَّلَ كافِرٍ)(٥).
قوله : (عَلى حَياةٍ) متعلق ب «أحرص» لأن هذا الفعل يتعدى ب «على» تقول : حرصت عليه ، والتنكير في «حياة» تنبيه على أنه أراد حياة مخصوصة وهي الحياة المتطاولة ، ولذلك كانت القراءة بها أوقع من قراءة أبي «على الحياة» بالتعريف وقيل : إن ذلك على حذف مضاف تقديره : على طول حياة ، والظاهر أنه لا يحتاج إلى تقدير صفة ولا مضاف ، بل يكون المعنى : أنهم أحرص الناس على مطلق حياة ، وإن قلت : فكيف وإن كبرت فيكون أبلغ في وصفهم بذلك ، وأصل حياة : حيية تحركت الياء وانفتح ما قبلها ، قلبت ألفا.
قوله : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) يجوز أن يكون متصلا داخلا تحت أفعل التفضيل ، ويجوز أن يكون منقطعا عنه ، وعلى القول باتصاله به فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه حمل على المعنى. فإن معنى أحرص الناس : أحرص من الناس فكأنه قيل : أحرص من الناس ومن الذين أشركوا.
الثاني : أن يكون حذف من الثاني لدلالة الأول عليه ، والتقدير : وأحرص من الذين أشركوا ، وعلى ما تقرر من كون (مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) متصلا بأفعل التفضيل فلا بد من ذكر «من» لأن «أحرص» جرى على اليهود فلو عطف بغير «من» لكان معطوفا على الناس فيكون في المعنى : ولتجدنهم أحرص الذين أشركوا ، فيلزم إضافة أفعل إلى غير ما اندرج تحته ، لأن اليهود ليسوا من هؤلاء المشركين الخاصين ، لأنهم قالوا في تفسيرهم إنهم المجوس أو عرب يعبدون الأصنام ، اللهم إلا أن يقال إنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل ، فحينئذ لو لم يؤت ب «من» لكان جائزا.
__________________
(١) سورة الأنعام ، آية (١٢٣).
(٢) موهوب بن أحمد بن محمد بن الحسن الجواليقي النحوي اللغوي كان إماما في فنون الأدب توفي في المحرم سنة خمس وستين وأربعمائة هكذا في البغية وفي معجم الأدباء ١٩ / ٢٠٧ ، في خامس عشر المحرم سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.
(٣) الناقص : هو يزيد بن عبد الملك ، والأشجّ : هو عمر بن عبد العزيز.
(٤) البيت في الخزانة (٤ / ٣٦٩) ، الهمع (١ / ١١٠) ، التصريح (١ / ٢٩٩) ، الدرر (١ / ٨٠) ، المقرب (١ / ٢١٢).
(٥) سورة البقرة ، آية (٤١).