(وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣) قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)(٩٥)
قوله تعالى : (بِالْبَيِّناتِ) : يجوز فيه وجهان :
أحدهما أن يكون حالا من «موسى» أي : جاءكم ذا بينات وحجج أو ومعه البينات.
والثاني : أن يكون مفعولا أي : بسبب إقامة البينات ، وما بعده من الجمل قد تقدم مثله فلا حاجة إلى تكريره.
قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا) : يجوز أن يكون معطوفا على قوله : (قالُوا سَمِعْنا) ويجوز أن يكون حالا من فاعل «قالوا» أي : قالوا ذلك وقد أشربوا ولا بد من إضمار «قد» ليقرب الماضي إلى الحال خلافا للكوفيين حيث قالوا : لا يحتاج إليها. ويجوز أن يكون مستأنفا لمجرد الإخبار بذلك واستضعفه أبو البقاء قال : «لأنه قد قال بعد ذلك : (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ) فهو جواب قولهم : (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) فالأولى ألا يكون بينهما أجنبي» والواو في «أشربوا» هي المفعول الأول قامت مقام الفاعل ، والثاني هو «العجل» لأن ـ «شرب» يتعدى بنفسه فأكسبته الهمزة مفعولا آخر ، ولا بد من حذف مضافين قبل «العجل» والتقدير : وأشربوا حب عبادة العجل وحسن حذف هذين المضافين المبالغة في ذلك ، حتى كأنه تصور إشراب ذات العجل. والإشراب : مخالطة المائع بالجامد ثم اتسع فيه حتى قيل في الألوان نحو : أشرب بياضه حمرة. والمعنى : أنهم داخلهم حب عبادته كما داخل الصبغ الثوب. ومنه :
٦٢١ ـ إذا ما القلب أشرب حبّ شيء |
|
فلا تأمل له الدّهر انصرافا (١) |
وعبر بالشرب دون الأكل لأن الشرب يتغلغل في باطن الشيء بخلاف الأكل فإنه مجاوز ، ومنه في المعنى :
٦٢٢ ـ جرى حبّها مجرى دمي في مفاصلي |
|
............... (٢) |
وقال بعضهم :
٦٢٣ ـ تغلغل حبّ عثمة في فؤادي |
|
فباديه مع الخافي يسير |
تغلغل حيث لم يبلغ شراب |
|
ولا حزن ولم يبلغ سرور |
أكاد إذا ذكرت العهد منها |
|
أطير لو أنّ إنسانا يطير (٣) |
__________________
(١) البيت من شواهد البحر (١ / ٣٠٩).
(٢) صدر بيت وعجزه :
............... |
|
فأصبح لى عن كلّ شغل بها شغل |
انظر البحر (١ / ٣٠٩).
(٣) الأبيات لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة انظر الحماسة (٢ / ١٠٥) ، المحتسب (٢ / ١٤٤) ، مجالس ثعلب (١ / ٢٣٦) ، القرطبي (٢ / ٢٣) ، اللسان «معع».