وقيل : الإشراب هنا حقيقة لأنه يروى أن موسى ـ عليهالسلام ـ برد العجل بالمبرد ، ثم جعل تلك البرادة في ماء وأمرهم بشربه ، فمن كان يحب العجل ظهرت البرادة على شفتيه ، وهذا وإن كان قال به السدي (١) وابن جريج (٢) وغيرهما فيرده قوله : «في قلوبهم».
قوله : (بِكُفْرِهِمْ) فيه وجهان :
أظهرهما : أنها للسببية متعلقة ب «أشربوا» أي : أشربوا بسبب كفرهم السابق.
والثاني : أنها بمعنى «مع» يعنون بذلك أنها للحال وصاحبها في الحقيقة ذلك المضاف المحذوف أي : أشربوا حب عبادة العجل مختلطا بكفرهم. والمصدر مضاف للفاعل أي : بأن كفروا. (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ) كقوله : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا)(٣) فليلتفت إليه. قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يجوز فيها الوجهان السابقان من كونها نافية وشرطية ، وجوابها محذوف تقديره : «فبئسما يأمركم» وقيل : تقديره : فلا تقتلوا أنبياء الله ولا تكذبوا الرسل ، ولا تكتموا الحق ، وأسند الإيمان إليهم تهكما بهم ، ولا حاجة إلى حذف صفة أي : إيمانكم الباطل ، أو حذف مضاف أي : صاحب إيمانكم. وقرأ الحسن : «يهو إيمانكم» بضم الهاء مع الواو ، وقد تقدم أنها الأصل.
قوله تعالى : (إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً) شرط جوابه : «فتمنوا» و «الدار» اسم كان وهي الجنة. والأولى أن يقدر حذف مضاف أي : نعيم الدار ، لأن الدار الآخرة في الحقيقة هي انقضاء الدنيا وهي للفريقين ، واختلفوا في خبر «كان» على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه «خالصة» فتكون «عند» ظرفا ل «خالصة» أو للاستقرار الذي في «لكم» ويجوز أن تكون حالا من «الدار» والعامل فيه «كان» أو الاستقرار. وأما «لكم» فيتعلق ب «كان» لأنها تعمل في الظرف وشبهه. قال أبو البقاء : «ويجوز أن تكون للتبيين فيكون موضعها بعد «خالصة» أي خالصة لكم ، فتتعلق بنفس «خالصة» وهذا فيه نظر ؛ لأنه متى كانت للبيان تعلقت بمحذوف تقديره : أعني لكم نحو : سقيا لك تقديره : أعني بهذا الدعاء لك. وقد صرح غيره في هذا الموضع بأنها للبيان ، وأنها متعلقة حينئذ بمحذوف كما ذكرت. ويجوز أن يكون صفة ل «خالصة» في الأصل قدم عليها ، فصار حالا منها فيتعلق بمحذوف.
الثاني : أن الخبر «لكم» فيتعلق بمحذوف ، وينصب «خالصة» حينئذ على الحال والعامل فيها : إما «كان» أو الاستقرار في «لكم» و «عند» منصوب بالاستقرار أيضا.
الثالث : أن الخبر هو الظرف و «خالصة» حال أيضا ، والعامل فيها : إما «كان» أو الاستقرار ، وكذلك «لكم» وقد منع من هذا الوجه قوم فقالوا (٤) : «لا يجوز أن يكون الظرف خبرا ، لأن الكلام لا يستقل به». وجوز ذلك المهدوي وابن عطية وأبو البقاء. واستشعر أبو البقاء هذا الإشكال وأجاب عنه فإنه قال : «وسوغ أن يكون «عند» خبر
__________________
(١) محمد بن مروان الكوفي يكنى أبا عبد الرحمن سمع التفسير من الكلبي المفسر انظر غاية النهاية (٢ / ٢٦١).
(٢) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أبو الوليد وأبو خالد فقيه الحرم المكي وهو أول من صنف التصانيف في العلم بمكة توفي سنة ١٥٠ ه تذكرة الحفاظ (١ / ٦٠) ، تاريخ بغداد (١٠ / ٤٠٠) ، الأعلام (٤ / ١٦٠).
(٣) سورة البقرة ، آية (٩٠).
(٤) انظر البحر المحيط (١ / ٣١٠).