مصدر لا يتحمّل الضمير على حسب تحمّل اسم الفاعل له عندهم ، فقوله «عند آخرين» هذا هو الذي قدّمته أوّلا وهو الصواب».
قوله : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ) الفاء جواب شرط مقدر تقديره : إن كنتم آمنتم بما أنزل عليكم فلم قتلتم الأنبياء؟ وهذا تكذيب لهم ، لأن الإيمان بالتوراة مناف لقتل أشرف خلقه. و «لم» جارّ ومجرور ، اللام حرف جر وما استفهامية في محلّ جرّ أي : لأي شيء؟ ولكن حذفت ألفها فرقا بينها وبين «ما» الخبرية. وقد تحمل الاستفهامية على الخبرية فتثبت ألفها ، قال الشاعر :
٦٢٠ ـ على ما قام يشتمني لئيم |
|
كخنزير تمرّغ في رماد (١) |
وهذا ينبغي أن يخصّ بالضرورة كما نصّ عليه بعضهم ، والزمخشري يجيز ذلك ، ويخرّج عليه بعض آي القرآن ، كما قد تحمل الخبرية على الاستفهامية في الحذف في قولهم : اصنع بم شئت ، وهذا لمجرد الشّبه اللفظيّ. وإذا وقف على «ما» الاستفهامية المجرورة : فإن كانت مجرورة باسم وجب لحاق هاء السكت نحو : مجيء مه ، وإن كانت مجرورة بحرف فالاختيار اللّحاق. والفرق أنّ الحرف يمتزج بما يدخل عليه فتقوى به الاستفهامية بخلاف الاسم المضاف إليها فإنه في نية الانفصال ، وهذا الوقف إنما يجوز ابتلاء أو لقطع نفس ، ولا جرم أنّ بعضهم منع الوقف على هذا النحو ، قال : «لأنه إن وقف بغير هاء كان خطأ لنقصان الحرف ، وإن وقف بهاء خالف السواد» ، لكن البزي قد وقف بالهاء ، ومثل ذلك لا يعدّ مخالفة للسواد ، ألا ترى إلى إثباتهم بعض ياءات الزوائد. والجارّ متعلق بقوله : «تقتلون» ، ولكنه قدّم عليه وجوبا لأنّ مجروره له صدر الكلام ، والفاء وما بعدها من «تقتلون» في محلّ جزم ، وتقتلون ـ وإن كان بصيغة المضارع ـ فهو في معنى الماضي لفهم المعنى ، وأيضا فمعه قوله «من قبل» ، وجاز إسناد القتل إليهم وإن لم يتعاطوه لأنهم لمّا كانوا راضين بفعل أسلافهم جعلوا كأنّهم فعلوا هم أنفسهم.
قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) في «إن» قولان :
أحدهما : أنها شرطية وجوابها محذوف تقديره : إن كنتم مؤمنين فلم فعلتم ذلك ، ويكون الشرط وجوابه قد كرّر مرتين ، فحذف الشرط من الجملة الأولى وبقي جوابه وهو : فلم تقتلون ، وحذف الجواب من الثانية وبقي شرطه ، فقد حذف من كلّ واحدة ما أثبت في الأخرى. وقال ابن عطية : «جوابها متقدّم ، وهو قوله : فلم» وهذا إنما يتأتّى على قول الكوفيين وأبي زيد.
والثاني : أنّ «إن» نافية بمعنى ما ، أي : ما كنتم مؤمنين لمنافاة ما صدر منكم الإيمان.
__________________
(١) البيت لحسان بن ثابت رضي الله عنه انظر ديوان (٢٥٨) ، شرح المفصل لابن يعيش (٤ / ٩) ، الهمع (٢ / ٢١٧) ، الدرر (١ / ٩٠) ، شواهد الشافية (٢٢٤) ، المغني (١ / ٢٩٩) ، الأشموني (٤ / ٢١٦) ، الخزانة (٦ / ٩٩) ، معاني الفراء (٢ / ٩٢). والمغني فيه على أي شيء قام يسين إنسان خبيث الطبع مثله كمثل الخنزير تمعك في التراب والشاهد فيه قوله : «على ما» حيث أثبت الألف في ما الاستفهامية مع دخول الجار ضرورة أو حملا للاستفهامية على الخبرية كما أشار المصنف رحمهالله.