٥٩٦ ـ ولكنّني فاديت أمّي بعدما |
|
علا الرأس كبرة ومشيب |
||||
بعبدين مرضيّين لم يك فيهما |
|
لئن عرضا للناظرين معيب (١) |
||||
وهذا القول يردّه قول العباس رضي الله عنه : «فاديت نفسي وفاديت عقيلا» (٢) ومعلوم أنه لم يعط أسيره في مقابلة نفسه ولا ولده ، وقيل : «تفدوهم بالصلح وتفادوهم بالعتق». وقيل : «تفدوهم تعطوا» فديتهم ، وتفادوهم تطلبون من أعدائكم فدية الأسير الذي في أيديكم ، ومنه قول الشاعر :
٥٩٧ ـ قفي فادي أسيرك إنّ قومي |
|
وقومك لا أرى لهم اجتماعا (٣) |
والظاهر أن «تفادهم» على أصله من اثنين ، وذلك أن الأسير يعطي المال والآسر يعطي الإطلاق ، وتفدوهم على بابه من غير مشاركة ، وذلك أنّ أحد الفريقين يفدي صاحبه من الآخر بمال أو غيره ، فالفعل على الحقيقة من واحد ، والفداء ما يفتدى به ، وإذا كسر أوله جاز فيه وجهان : المدّ والقصر فمن المدّ قول النابغة :
٥٩٨ ـ مهلا فداء لك الأقوام كلّهم |
|
وما أثمّر من مال ومن ولد (٤) |
ومن القصر قوله :
٥٩٩ ـ ............... |
|
فدى لك من ربّ طريفي وتالدي (٥) |
وإذا فتح فالقصر فقط ، ومن العرب من يكسر «فدى» مع لام الجر خاصة ، نحو : فدى لك أبي وأمي يريدون الدعاء له بذلك ، وفدى وفادى يتعدّيان لاثنين أحدهما بنفسه والآخر بحرف جر تقول : فديت أو فاديت الأسير بمال ، وهو محذوف في الآية الكريمة. قال ابن عطية : «وحسن لفظ الإتيان من حيث هو في مقابلة الإخراج فيظهر التضادّ المقبح لفعلهم في الإخراج» يعني أنه لا يناسب من أسأتم إليه بالإخراج من داره أن تحسنوا إليه بالفداء.
قوله : (وَهُوَ مُحَرَّمٌ) هذا موضع يحتاج لفضل نظر ، والظاهر من الوجوه المنقولة فيه أن يكون «هو» ضمير الشأن والقصة فيكون في محلّ رفع بالابتداءه ، و «محرّم» خبر مقدم وفيه ضمير قائم مقام الفاعل ، و «إخراجهم» مبتدأ ، والجملة من هذا المبتدأ والخبر في محلّ رفع خبرا لضمير الشأن ، ولم يحتج هنا إلى عائد على المبتدأ لأنّ الخبر نفس المبتدأ وعينه. وهذه الجملة مفسّرة لهذا الضمير ، وهو أحد المواضع التي يفسّر فيها المضمر بما بعده ، وقد تقدّمت ، وليس لنا من الضمائر ما يفسّر بجملة غير هذا الضمير ، ومن شرطه أن يؤتى به في مواضع التعظيم وأن يكون معمولا للابتداء أو نواسخه فقط ، وأن يفسّر بجملة مصرّح بجزئيها ، ولا يتبع بتابع من التوابع الخمسة ، ويجوز تذكيره وتأنيثه مطلقا خلافا لمن فصّل : فتذكيره باعتبار الأمر والشأن : وتأنيثه باعتبار القصة فتقول : هي زيد قائم ، ولا يثنّى ولا يجمع ولا يحذف إلا في مواضع تذكر إن شاء الله تعالى. والكوفيون يسمّونه ضمير المجهول وله أحكام كثيرة.
الوجه الثاني : أن يكون «هو» ضمير الشأن أيضا ، و «محرّم» خبره ، و «إخراجهم» مرفوع على أنه مفعول لم يسمّ فاعله. وهذا مذهب الكوفيين وتابعهم المهدوي ، وإنما فرّوا من الوجه الأول ، لأنّ عندهم أنّ الخبر المتحمّل
__________________
(١) البيتان لنصيب انظر هما في لسان العرب «فدى».
(٢) البيت من شواهد القرطبي (٢ / ٢٢).
(٣) البيت من شواهد القرطبي (٢ / ٢٢).
(٤) انظر ديوانه (٢١) ، الخزانة (٣ / ٧) ، شرح المفصل لابن يعيش (٤ / ٧٠) ، القرطبي (٢ / ٢١).
(٥) عجز بيت وصدره في الديوانه هكذا :
تخب إلى النعمان حتى تناله |
|
............... |
انظر ديوانه (١٧٠) ، الشعراء والشعراء (١ / ١٦٩) ، البحر (١ / ٢٨١).