و «أسارى» حال من الفاعل في «يأتوكم». وقرأ الجماعة غير حمزة «أسارى» ، وقرأ هو أسرى ، وقرئ «أسارى» بفتح الهمزة. فقراءة الجماعة تحتمل أربعة أوجه ، أحدها : أنه جمع جمع كسلان لما جمعهما من عدم النشاط والتصرّف ، فقالوا : أسير وأسارى بضم الهمزة ككسلان وكسالى وسكران وسكارى ، كما أنه قد شبّه كسلان وسكران به فجمعا جمعه الأصليّ الذي هو على فعلى فقالوا : كسلان وكسلى ، وسكران وسكرى كقولهم : أسير وأسرى. قال سيبويه : «فقالوا في جمع كسلان كسلى شبّهوه بأسرى كما قالوا أسارى شبّهوه بكسالى» ، ووجه الشبه أن الأسر يدخل على المرء كرها ، كما يدخل الكسل ، قال بعضهم : «والدليل على اعتبار هذا المعنى أنّهم جمعوا مريضا وميّتا وهالكا على فعلى فقالوا : مرضى وموتى وهلكى لمّا جمعها المعنى الذي في جرحى وقتلى».
الثاني : أن أسارى جمع أسير ، وقد وجدنا فعيلا يجمع على فعالى قالوا : شيخ قديم وشيوخ قدامى ، وفيه نظر فإن هذا شاذّ لا يقاس عليه.
الثالث : أنه جمع أسير أيضا وإنما ضمّوا الهمزة من أسارى وكان أصلها الفتح كنديم وندامى كما ضمّت الكاف والسين من كسالى وسكارى وكان الأصل فيهما الفتح نحو : عطشان وعطاشى.
الرابع : أنه جمع أسرى الذي هو جمع أسير فيكون جمع الجمع.
وأمّا قراءة حمزة فواضحة ؛ لأن فعلى ينقاس في فعيل بمعنى ممات أو موجع نحو : جريح وجرحى وقتيل وقتلى ومريض ومرضى.
وأما «أسارى» بالفتح فلغة ليست بالشاذة ، وقد تقدّم أنها أصل أسارى بالضم عند بعضهم ، ولم يعرف أهل اللغة فرقا بين أسارى وأسرى إلا ما حكاه أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال : «ما كان في الوثاق فهم الأسارى وما كان في اليد فهم الأسرى. ونقل عنه بعضهم الفرق بمعنى آخر فقال : «ما جاء مستأسرا فهم الأسرى ، وما صار في أيديهم فهم الأسارى ، وحكى النقاش عن ثعلب أنّه لما سمع هذا الفرق قال : «هذا كلام المجانين» ، وهي جرأة منه على أبي عمرو ، وحكي عن المبرد أنه يقال : «أسير وأسراء كشهيد وشهداء».
والأسير مشتق من الإسار وهو القيد الذي يربط به المحمل ، فسمّي الأسير أسيرا لشدة وثاقه ، ثم اتّسع فيه فسمّي كلّ مأخوذ بالقهر أسيرا وإن لم يربط. والأسر : الخلق في قوله تعالى (وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) ، وأسرة الرجل من يتقوّى بهم ، والأسر احتباس البول ، رجل مأسور إذا أصابه ذلك : وقالت العرب : «أسرقتبه» أي : شدّه. قال الأعشى :
٥٩٥ ـ وقيّدني الشّعر في بيته |
|
كما قيّد الآسرات الحمارا (١) |
يريد أنه بلغ في الشعر النهاية حتى صار له كالبيت لا يبرح عنه.
قوله : «تفادوهم» قرأ نافع وعاصم والكسائي : «تفادوهم» ، وهو جواب الشرط فلذلك حذفت نون الرفع ، وهل القراءتان بمعنى واحد ، ويكون معنى فاعل مثل معنى فعل المجرد نحو : عاقبت وسافرت ، أو بينهما فرق؟ خلاف مشهور ، ثم اختلف الناس في ذلك الفرق ما هو؟ فقيل : معنى فداه أعطى فيه فداء من مال وفاداه أعطى فيه أسيرا مثله وأنشد :
__________________
(١) البيت في ديوانه (٨٩) ، اللسان «حمر».