٥٩١ ـ بنا تميما يكشف الضباب (١) |
|
............... |
وأكثر ما يجيء بعد ضمير متكلّم كما تقدّم ، وقد يجيء بعد ضمير مخاطب ، كقولهم «بك الله نرجو الفضل» ، وهذا تحرير القول في هذه الآية الكريمة.
السابع : أن يكون «أنتم هؤلاء» على ما تقدّم من كونهما مبتدأ وخبرا ، والجملة من «تقتلون» مستأنفة مبيّنة للجملة قبلها ، يعني أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى ، وبيان حماقتكم أنكم تقتلون أنفسكم تخرجون فريقا منكم من ديارهم ، وهذا ذكره الزمخشري في سورة آل عمران في قوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ)(٢) ولم يذكره هنا ، وسيأتي بنصّه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله : (تَظاهَرُونَ) هذه الجملة في محل نصب على الحال من فاعل «تخرجون» وفيها خمس قراءات (٣) : «تظّاهرون» بتشديد الظاء ، والأصل : تتظاهرون فأدغم لقرب التاء من الظاء ، و «تظاهرون» مخفّفا ، والأصل كما تقدّم ، إلا أنّه خفّفه بالحذف. وهل المحذوف الثانية وهو الأولى لحصول الثقل بها ولعدم دلالتها على معنى المضارعة أو الأولى كما زعم هشام؟ قال الشاعر :
٥٩٢ ـ تعاطسون جميعا حول داركم |
|
فكلّكم يا بني حمدان مزكوم (٤) |
أراد : تتعاطسون فحذف. و «تظّهّرون» بتشديد الظاء والهاء ، و «تظاهرون» من تظاهر. و «تتظاهرون» على الأصل من غير حذف ولا إدغام ، وكلّهم يرجع إلى معنى المعاونة والتناصر من المظاهرة ، كأنّ كلّ واحد منهم يسند ظهره للآخر ليتقّوى به فيكون له كالظهر ، قال :
٥٩٣ ـ تظاهرتم أستاه بيت تجمّعت |
|
على واحد لا زلتم قرن واحد (٥) |
والإثم في الأصل : الذّنب وجمعه آثام ، ويطلق على الفعل الذي يستحقّ به صاحبه الذمّ واللوم. وقيل هو : ما تنفر منه النفس ولا يطمئنّ إليه القلب ، فالإثم في الآية يحتمل أن يكون مرادا به ما ذكرت من هذه المعاني. ويحتمل أن يتجوّز به عمّا يوجب الإثم إقامة للسّبب مقام المسبّب كقول الشاعر :
٥٩٤ ـ شربت الإثم حتى ضلّ عقلي |
|
كذاك الإثم يذهب بالعقول (٦) |
فعبّر عن الخمر بالإثم لمّا كان مسبّبا عنها.
والعدوان : التجاوز في الظلم ، وقد تقدّم في «يعتدون» وهو مصدر كالكفران والغفران ، والمشهور ضمّ فائه ، وفيه لغة بالكسر.
قوله : (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ) إن شرطية ويأتوكم مجزوم بها بحذف النون والمخاطب مفعول ،
__________________
(١) البيت لرؤبة انظر ملحق ديوانه (١٦٥) ، الكتاب (٢ / ٧٥) ، شرح المفصل لابن يعيش (٢ / ١٨) ، الخزانة (٢ / ٤١٣) ، البحر المحيط (٥ / ٢٤٥).
(٢) سورة آل عمران ، آية (٦٦).
(٣) انظر البحر المحيط (١ / ٢٩١).
(٤) البيت من شواهد البحر (١ / ٢٩١).
(٥) البيت من شواهد القرطبي (٢ / ٢٠).
(٦) البيت من شواهد البحر (٢ / ١٥٧) ، وانظر الغريبين (١ / ١٨) ، اللسان (أثم) التهذيب (١٥ / ١٦١) (أثم) ، تفسير القرطبي معالم التنزيل (٢ / ١٨٦) ، روح المعاني (٨ / ١١٢).