قوما آخرين ، ألا ترى أنّ التقدير الذي قدّره الزمخشري من تقدير تغيّر
الصفة منزلة تغيّر الذات لا يتأتّى في نحو : ها أنا ذا قائما ، ولا في نحو : ها
أنتم هؤلاء ، بل المخاطب هو المشار إليه من غير تغيّر» ولم يتضح لي صحة الإيراد
عليه وما أبعده عنه.
الثاني : أن «أنتم»
أيضا مبتدأ ، و «هؤلاء» خبره ، ولكن بتأويل حذف مضاف تقديره : ثم أنتم مثل هؤلاء ،
و «تقتلون» حال أيضا ، العامل فيها معنى التشبيه ، إلا أنّه يلزم منه الإشارة إلى
غائبين ، لأن المراد بهم أسلافهم على هذا ، وقد يقال : إنه نزّل الغائب منزلة
الحاضر.
الثالث : ونقله
ابن عطية عن شيخه ابن الباذش أن «أنتم» خبر مقدم ، و «هؤلاء» مبتدأ مؤخر ، وهذا فاسد
؛ لأن المبتدأ والخبر متى استويا تعريفا وتنكيرا لم يجز تقدّم الخبر ، وإن ورد منه
ما يوهم فمتأوّل.
الرابع : أنّ «أنتم»
مبتدأ ، و «هؤلاء» منادى حذف منه حرف النداء ، و «تقتلون» خبر المبتدأ ، وفصل
بالنداء بين المبتدأ وخبره. وهذا لا يجيزه جمهور البصريين ، وإنما قال به الفراء
وجماعة وأنشدوا :
٥٨٨ ـ إنّ
الأولى وصفوا قومي لهم فبهم
|
|
هذا اعتصم
تلق من عاداك مخذولا
|
أي : يا هذا ،
وهذا لا يجوز عند البصريين ، ولذلك لحّن المتنبي في قوله :
٥٨٩ ـ هذي
برزت فهجت رسيسا
|
|
ثم انصرفت
وما شفيت نسيسا
|
وفي البيت كلام
طويل.
الخامس : أنّ «هؤلاء»
موصول بمعنى الذي. و «تقتلون» صلته ، وهو خبر عن «أنتم» أي : أنتم الذين تقتلون.
وهذا أيضا ليس رأي البصريين ، وإنما قال به الكوفيون ، وأنشدوا :
٥٩٠ ـ عدس ما
لعبّاد عليك إمارة
|
|
أمنت وهذا
تحملين طليق
|
أي : والذي
تحملين ، ومثله : (وَما تِلْكَ
بِيَمِينِكَ) أي : وما التي؟.
السادس : أنّ «هؤلاء»
منصوب على الاختصاص ، بإضمار «أعني» و «أنتم» مبتدأ ، وتقتلون خبره ، اعترض بينهما
بجملة الاختصاص ، وإليه ذهب ابن كيسان. وهذا لا يجوز ؛ لأنّ النحويين قد نصّوا على
أنّ الاختصاص لا يكون بالنكرات ولا أسماء الإشارة ، والمستقرأ من لسان العرب أنّ
المنصوب على الاختصاص : إمّا «أيّ» نحو : «اللهم اغفر لنا أيّتها العصابة» ، أو
معرّف بأل [نحو] : نحن العرب أقرى الناس للضيف ، أو بالإضافة نحو : «نحن معاشر
الأنبياء لا نورث» وقد يجيء علما كقوله :
__________________