نحو : قام قياما وصام صياما ، ولذلك صحّ «لواذ» لصحّة فعله في قولهم : لاوذ ، وأمّا «ديّار» فهو من لفظة الدّار ، وأصله ديوار ، فاجتمع الياء والواو فأعلّا على القاعدة المعروفة فوزنه : فيعال لا فعّال ، إذ لو كان فعّالا لقيل : دوّار كصوّام وقوّام. والدار مجتمع القوم من الأبنية. وقال الخليل : «كلّ موضع حلّه الناس ، وإن لم يكن أبنية».
وقرئ : «تسفكون» بضم الفاء (١) ، و «تسفّكون» من سفّك مضعفا ، «وتسفكون» من أسفك الرباعي.
وقوله : (دِماءَكُمْ) يحتمل الحقيقة وقد وجد من قتل نفسه ، ويحتمل المجاز وذلك من أوجه :
أحدها : إقامة السبب مقام المسبّب ، أي : إذا سفكتم دم غيركم فقد سفك دمكم ، وهو قريب من قولهم : «القتل أنفى للقتل». قال :
٥٨٧ ـ سقيناهم كأسا سقونا بمثلها |
|
ولكنهم كانوا على الموت أصبرا (٢) |
وقيل : «المعنى : لا يسفك بعضكم دم بعض» واختاره الزمخشري. وقيل : «لا تسفكوها بارتكابكم ما يوجب سفكها كالارتداد ونحوه».
قوله : (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) قال أبو البقاء : فيه وجهان :
أحدهما : أنّ «ثمّ» على بابها في إفادة العطف والتراخي. والمعطوف عليه محذوف تقديره : فقبلتم ثم أقررتم.
والثاني : أن تكون «ثمّ» جاءت لترتيب الخبر لا لترتيب المخبر عنه ، كقوله تعالى : (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ)(٣).
قوله : (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) كقوله : (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ)(٤).
قوله تعالى : (أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ) : فيه سبعة أقوال :
أحدها : وهو الظاهر أنّ «أنتم» في محلّ رفع بالابتداء و «هؤلاء» خبره. و «تقتلون» حال العامل فيها اسم الإشارة لما فيه من معنى الفعل ، وهي حال منه ليتّحد ذو الحال وعاملها ، وتحقيق هذا مذكور في غير هذا [المكان] وقد قالت العرب : «ها أنت ذا قائما» ، و «ها أنا ذا قائما» ، و «ها هو ذا قائما» ، فأخبروا باسم الإشارة عن الضمير في اللفظ ، والمعنى على الإخبار بالحال ، فكأنه قال : أنت الحاضر وأنا الحاضر وهو الحاضر في هذه الحال. ويدلّ على أنّ الجملة من قوله «تقتلون» حال وقوع الحال الصريحة موقعها ، كما تقدّم في : ها أنا ذا قائما ونحوه ، وإلى هذا المعنى نحا الزمخشري فقال : «ثم أنتم هؤلاء» استبعاد لما أسند إليهم من القتل والإجلاء بعد أخذ الميثاق منهم ، وإقرارهم وشهادتهم ، والمعنى : «ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء الشاهدون» ، يعني أنكم قوم آخرون غير أولئك المقرّين ، تنزيلا لتغيّر الصفة منزلة تغيّر الذات ، كما تقول : رجعت بغير الوجه الذي خرجت به. وقوله «تقتلون» بيان لقوله : ثم أنتم هؤلاء.
قال الشيخ (٥) كالمعترض عليه كلامه : «والظاهر أنّ المشار إليه بقوله : «أنتم هؤلاء» المخاطبون أولا ، فليسوا
__________________
(١) انظر البحر المحيط (١ / ٢٨٩).
(٢) البيت للنابغة الجعدي انظر ديوانه (٧٣) ، والحماسة (١ / ٩٧) ، والهمع (٢ / ١٠٤) ، الدرر (٢ / ١٣٧).
(٣) سورة يونس ، آية (٤٦).
(٤) سورة البقرة ، آية (٨٣).
(٥) انظر البحر المحيط (١ / ٢٩٠).