زيد» في قوة «لم يجلسوا إلا زيد» فكلّ موجب إذا أخذت نفي نقيضه أو ضدّه كان
كذلك ، ولم تعتبر العرب هذا في كلامها ، وإنما أجاز النحويون «قام القوم إلا زيد»
بالرفع على الصفة كما تقدّم تقريره.
و «منكم» صفة
لقليلا ، فهي في محلّ نصب أو رفع على حسب القراءتين. والظاهر أن القليل مراد بهم
الأشخاص لوصفه بقوله «منكم». وقال ابن عطية : «ويحتمل أن تكون القلة في الإيمان ،
أي : لم يبق حين عصوا وكفر آخرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم إلا إيمان قليل إذا لا ينفعهم ، والأول أقوى» انتهى.
وهذا قول بعيد جدا أو ممتنع.
قوله : (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) جملة من مبتدأ وخبر في محلّ نصب على الحال من فاعل «تولّيتم».
وفيها قولان :
أحدهما : أنّها
حال مؤكّدة لأنّ التولّي والإعراض مترادفان. وقيل : مبيّنة ، فإن التولّي بالبدن
والإعراض بالقلب ، قاله أبو البقاء. وقال بعده : «وقيل : تولّيتم يعني آباءهم ،
وأنتم معرضون يعني أنفسهم ، كما قال : (وَإِذْ
أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أي : آباءهم» انتهى. وهذا يؤدّي إلى أنّ جملة قوله «وأنتم
معرضون» لا تكون حالا ، لأنّ فاعل التولّي في الحقيقة ليس هو صاحب الحال والله
أعلم. وكذلك تكون مبيّنة إذا اختلف متعلّق التولّي والإعراض كما قال بعضهم : ثم
تولّيتم عن أخذ ميثاقكم وأنتم معرضون عن هذا النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : التولّي والإعراض مأخوذان من سلوك الطريق ،
وذلك أنه إذا سلك طريقا ورجع عوده على بدئه سمّي ذلك تولّيا ، وإن سلك في عرض
الطريق سمّي إعراضا وجاءت الحال جملة اسمية مصدّرة ب «أنتم» لأنه آكد. وجيء بخبر
المبتدأ اسما لأنه أدلّ على الثبوت فكأنه قيل : وأنتم عادتكم التولّي عن الحقّ
والإعراض عنه.
(وَإِذْ أَخَذْنا
مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ
دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ
(٨٤) ثُمَّ
أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ
دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ
أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ
بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ
مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ
إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٨٥)
قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا
تَسْفِكُونَ) : كقوله : (وَإِذْ أَخَذْنا
مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ).
قوله : (مِنْ دِيارِكُمْ) متعلّق بتخرجون ومن لابتداء الغاية. وديار جمع دار
والأصل : دور ، لأنها من دار يدور دورانا ، وأصل ديار : دوار ، وإنما قلبت الواو
ياء لانكسار ما قبلها ، واعتلالها في الواحد. وهذه قاعدة مطّردة في كلّ جمع على
فعال صحيح اللام قد اعتلّت عين مفرده أو سكنت حرف علة نحو : دار وديار وثياب ،
ولذلك صحّ «رواء» لاعتلال لامه ، و «طوال» لتحرّك عين مفرده وهو طويل ، فأمّا «طيال»
في طوال فشاذّ. وحكم المصدر حكم هذا
__________________