وسوّى بين هذا وبين قراءة : «لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر» (١) برفع «غير» ، وجوّز في نحو : «ما قام القوم إلا زيد» ـ بالرفع ـ البدل والصفة ، وخرّج على ذلك قوله :
٥٨٣ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلا الفرقدان (٢) |
كأنه قال : وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه ، كما قال الشماخ :
٥٨٤ ـ وكلّ خليل غير هاضم نفسه |
|
لوصل خليل صارم أو معارز (٣) |
وأنشد غيره :
٥٨٥ ـ لدم ضائع تغيّب عنه |
|
أقربوه إلا الصّبا والجنوب (٤) |
وقوله :
٥٨٦ ـ وبالصّريمة منهم منزل خلق |
|
عاف تغيّر إلا النّؤي والوتد (٥) |
والفرق بين الوصف بإلّا والوصف بغيرها أنّ «إلا» توصف بها المعارف والنكرات والظاهر والمضمر ، وقال بعضهم : «لا توصف بها إلا النكرة أو المعرّفة بلام الجنس فإنه في قوة النكرة». وقال المبرد : «شرطه صلاحية البدل في موضعه» ، ولهذا موضع نتكلّم فيه.
الثاني : أنه عطف بيان. قال ابن عصفور : «إنما يعني النحويون بالوصف بإلا عطف البيان» وفيه نظر.
الثالث : أنه مرفوع بفعل محذوف كأنه قال : امتنع قليل.
الرابع : أن يكون مبتدأ وخبره محذوف أي : إلا قليل منكم لم يتولّوا ، كما قالوا : ما مررت بأحد إلا رجل من بني تميم خير منه.
الخامس : أنه توكيد للمضمر المرفوع ، ذكر هذه الثلاثة الأوجه أبو البقاء. قال : «وسيبويه وأصحابه يسمّونه نعتا ووصفا» يعني التوكيد. وفي هذه الأوجه التي ذكرها ما لا يخفى ولكنها قد قيلت.
السادس : أنه بدل من الضمير في «تولّيتم» قال ابن عطية : «وجاز ذلك مع أنّ الكلام لم يتقدّم فيه نفي ، لأن «تولّيتم» معناه النفي كأنه قال : «لم تفوا بالميثاق إلا قليل» وهذا الذي ذكره من جواز البدل منعه النحويون ، لا يجيزون : «قام القوم إلا زيد» على البدل ، قالوا : لأنّ البدل يحلّ محلّ المبدل منه فيؤول إلى قولك : قام إلا زيد ، وهو ممتنع ، وأمّا قوله : «إنه في تأويل النفي» فما من موجب إلا يمكن فيه ذلك ، ألا ترى أنّ قولك : «قام القوم إلا
__________________
انظر ديوانه (١٠٠٤) ، وهو من شواهد الكتاب (١ / ٣٧٠) ، الهمع (١ / ٢٢٩) ، الدرر (١ / ١٩٤) ، الخزانة (٢ / ٥٦).
(١) سورة النساء ، آية (٩٥).
(٢) البيت لعمرو بن معديكرب انظر الكتاب (١ / ٣٧١) ، الأزهية (١٨٢) ، الكامل (٧٦٠) ، الممتع (٥١) ،. المغني (٧٦) ، الإنصاف (٢٦٨) ، الهمع (١ / ٢٢٩) ، اللسان «إلا».
(٣) انظر ديوانه (٤٣) ، وهو من شواهد الكتاب (١ / ٣٧١) ، الكشاف (٤ / ٤١٦) ، البحر (١ / ٢٨٨) ، اللسان «عرز».
(٤) البيت في الهمع (١ / ٢٢٩) ، الدرر (١ / ١٩٤).
(٥) البيت للأخطل انظر ديوانه (٤٣٤).