فإنّ فعلى مصدرا لا ينقاس ، إنما جاءت منها أليفاظ كالعقبى والبشرى». ثم
أجاب الشيخ عن هذا الثاني بما معناه أنّ الضمير في قوله «عنها» عائد إلى «حسنى» لا
إلى فعلى أنثى أفعل ، ويكون استثناء منقطعا كأنه قال : إلا أن يزال عن حسنى التي
قرأ بها أبيّ معنى التفضيل ، ويصير المعنى : إلا أن يعتقد أنّ «حسنى» مصدر لا أنثى
أفعل ، وقوله «وهو وجه القراءة بها» أي : والمصدر وجه القراءة بها. وتخريج هذه
القراءة على وجهين ، أحدهما : المصدر كالبشرى وفيه الأوجه المتقدمة في «حسنا»
مصدرا إلا أنه يحتاج إلى إثبات حسنى مصدرا من قول العرب : حسن حسنى ، كقولهم : رجع
رجعى ، إذ مجيء فعلى مصدرا لا ينقاس. والوجه الثاني أن تكون صفة لموصوف محذوف ؛ أي
: وقولوا للناس كلمة حسنى أو مقالة حسنى. وفي الوصف بها حينئذ وجهان :
أحدهما : أن
تكون للتفضيل ، ويكون قد شذّ استعمالها غير معرّفة بأل ولا مضافة إلى معرفة كما
شذّ قوله :
٥٨٠ ـ وإن
دعوت إلى جلّى ومكرمة
|
|
يوما سراة
كرام الناس فادعينا
|
وقوله :
٥٨١ ـ في سعي
دنيا طالما قد مدّت
|
|
...............
|
والوجه الثاني
: أن تكون لغير التفضيل ، بل بمعنى حسنة نحو كبرى في معنى كبيرة ، أي : وقولوا
للناس مقالة حسنة ، كما قالوا : «يوسف أحسن إخوته» في معنى حسن إخوته» انتهى. وقد
علم بهذا فساد قول النحاس.
وأمّا من قرأ «إحسانا»
فهو مصدر وقع صفة لمصدر محذوف أي قولا إحسانا ، وفيه التأويل المشهور ،
وإحسانا مصدر من أحسن الذي همزته للصيرورة أي قولا ذا حسن ، كما تقول : «أعشبت
الأرض» أي : صارت ذا عشب. وقوله : (وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) تقدّم نظيره .
قوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) قال الزمخشري : «على طريقة الالتفات» وهذا الذي قاله
إنما يجيء على قراءة : «لا يعبدون» بالغيبة ، وأمّا على قراءة الخطاب فلا التفات
البتة ، ويجوز أن يكون أراد بالالتفات الخروج من خطاب بني إسرائيل القدماء إلى
خطاب الحاضرين في زمن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وقد قيل بذلك ، ويؤيّده قوله تعالى : (إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ) قيل : يعني بهم الذين أسلموا في زمانه عليهالسلام كعبد الله بن سلّام وأضرابه ، فيكون التفاتا على
القراءتين. والمشهور نصب «قليلا» على الاستثناء لأنه من موجب. وروي عن أبي عمرو
وغيره : «إلا قليل» بالرفع. وفيه ستة أقوال ، أصحّها : أنّ رفعه على الصفة بتأويل «إلا»
وما بعدها بمعنى غير. وقد عقد سيبويه ـ رحمهالله ـ في ذلك بابا في كتابه فقال : «هذا باب ما يكون فيه «إلّا»
وما بعدها وصفا بمنزلة غير ومثل» ، وذكر من أمثلة هذا الباب : «لو كان معنا إلا
رجل إلا زيد لغلبنا» و (لَوْ كانَ فِيهِما
آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) و :
٥٨٢ ـ ...............
|
|
قليل بها
الأصوات إلا بغامها
|
__________________