الثالث : أن يكون التقدير : واستوصوا بالوالدين ، فالباء تتعلق بهذا الفعل المقدّر ، وينتصب «إحسانا» حينئذ على أنه مفعول به.
الرابع : تقديره : ووصّيناهم بالوالدين ، فالباء متعلّقة بالمحذوف أيضا ، وينتصب «إحسانا» حينئذ على أنه مفعول من أجله ، أي لأجل إحساننا إلى الموصى بهم من حيث إن الإحسان متسبّب عن وصيتنا بهم أو الموصى لما يترتّب الثواب منّا لهم إذا أحسنوا إليهم.
الخامس : أن تكون الباء وما عملت فيه عطفا على قوله : «لا تعبدون» إذا قيل بأنّ «أن» المصدرية مقدرة ، فينسبك منها وممّا بعدها مصدر يعطف عليه هذا المجرور ، والتقدير : أخذنا ميثاقهم بإفراد الله بالعبادة وبالوالدين ، أي : وببرّ الوالدين ، أو بإحسان إلى الوالدين ، فتتعلّق الباء حينئذ بالميثاق لما فيه من معنى الفعل ، فإن الظرف وشبهه تعمل فيه روائح الأفعال ، وينتصب «إحسانا» حينئذ على المصدر من ذلك المضاف المحذوف وهو البرّ لأنه بمعناه أو الإحسان الذي قدّرناه. والظاهر من هذه الأوجه إنما هو الثاني لعدم الإضمار اللازم في غيره ، ولأنّ ورود المصدر نائبا عن فعل الأمر مطّرد شائع ، وإنّما قدّم المعمول اهتماما به وتنبيها على أنّه أولى بالإحسان إليه ممّن ذكر معه.
والوالدان : الأب والأم ، يقال لكلّ واحد منهما والد ، قال :
٥٧٣ ـ ألا ربّ مولود وليس له أب |
|
وذي ولد لم يلده أبوان (١) |
وقيل : لا يقال في الأم : والدة بالتاء ، وإنما قيل فيها وفي الأب : والدان تغليبا للمذكّر. والإحسان : الإنعام على الغير ، وقيل : بل هو أعمّ من الإنعام ، وقيل هو النافع لكل شيء.
قوله : (وَذِي الْقُرْبى) وما بعده عطف على المجرور بالباء ، وعلامة الجرّ فيها الياء ؛ لأنّها من الأسماء الستة ترفع بالواو وتنصب بالألف وتجرّ بالياء بشروط ذكرها النحويون ، وهل إعرابها بالحروف أو بغيرها؟ عشرة مذاهب للنحويين فيها ، ليس هذا موضع ذكرها ، وهي من الأسماء اللازمة للإضافة لفظا ومعنى إلى أسماء الأجناس ليتوصّل بذلك إلى وصف النكرة باسم الجنس نحو : مررت برجل ذي مال ، وإضافته إلى المضمر ممنوعة إلا في ضرورة أو نادر كلام كقوله :
٥٧٤ ـ صبحنا الخزرجيّة مرهفات |
|
أبان ذوي أرومتها ذووها (٢) |
وأنشد الكسائي :
٥٧٥ ـ إنما يعرف المع |
|
روف في الناس ذووه (٣) |
وعلى هذا قولهم : اللهم صلّ على محمد وذويه ، وإضافته إلى العلم قليلة جدا ، وهي على ضربين : واجبة وذلك إذا اقترنا وضعا نحو : ذي يزن وذي رعين ، وجائزة وذلك إذا لم يقترنا وضعا نحو : ذي قطري وذي عمرو ، أي :
__________________
(١) البيت لعمرو الجنبي ، انظر الخصائص (٢ / ٣٣٣) ، شرح المفصل لابن يعيش (٩ / ١٢٦) ، رصف المباني (١٨٨) ، المقرب (١ / ١٩٩) ، المغني (١٤٤) ، شواهد المغني (٣٩٨) ، الدرر (١ / ٣١).
(٢) البيت لكعب بن زهير انظر ديوانه (٢١٢) ، شرح المفصل لابن يعيش (١ / ٥٣) ، الهمع (٢ / ٥٠) ، الدرر (٢ / ٦١).
(٣) البيت هكذا في شرح المفصل لابن يعيش (١ / ٥٣) ، إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه ، وانظر الدرر (٢ / ٦١).