الهمز في الجميع إلا موضعين : في سورة الأحزاب (لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ)(لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ
إِلَّا) فإنّ قالون حكى عنه في الوصل كالجماعة وسيأتي. فأمّا من
همز فإنه جعله مشتقا من النبأ وهو الخبر ، فالنبيّ فعيل بمعنى فاعل ، أي : منبّيء
عن الله برسالته ، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول أي : إنه منبّأ من الله بأوامره
ونواهيه ، واستدلّوا على ذلك بجمعه على نبآء ، كظريف وظرفاء ، قال العباس ابن
مرداس :
٥١٣ ـ يا
خاتم النبآء إنّك مرسل
|
|
بالخير ، كلّ
هدى السبيل هداكا
|
فظهور الهمزتين
يدلّ على كونه من النبأ ، واستضعف بعض النحويين هذه القراءة ، قال أبو علي : «قال
سيبويه : «بلغنا أنّ قوما من أهل التحقيق يحقّقون نبيّا وبريّة ، قال : وهو رديء»
، وإنما استردأه لأن الغالب التخفيف» وقال أبو عبيد : «الجمهور الأعظم من القرّاء
والعوام على إسقاط الهمز من النبيّ والأنبياء ، وكذلك أكثر العرب مع حديث رويناه ،
فذكر أنّ رجلا جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال ؛ «يا نبيء الله» فهمز ، فقال : «لست نبيء الله»
فهمز ، «ولكن نبيّ الله» ولم يهمز ، فأنكر عليه الهمز ، قال : «وقال لي أبو عبيدة :
العرب تبدل الهمز في ثلاثة أحرف : النبي والبريّة والخابية وأصلهنّ الهمز» ، قال
أبو عبيدة : «ومنها حرف رابع : الذّرّيّة من ذرأ يذرأ ، ويدل على أن الأصل الهمز
قول سيبويه : إنهم كلهم يقول : تنبأ مسيلمة فيهمزون ، وبهذا لا ينبغي أن تردّ به
قراءة الإمام الكبير. أمّا الحديث فقد ضعّفوه ، قال ابن عطية : «ممّا يقوّي ضعفه
أنه لمّا أنشده العباس : «يا خاتم النبآء» لم ينكره ، ولا فرق بين الجمع والواحد»
، ولكنّ هذا الحديث قد ذكره الحاكم في المستدرك ، وقال : هو صحيح على شرط الشيخين
، ولم يخرجاه. قلت : فإذا كان ذلك كذلك فليلتمس للحديث تخريج يكون جوابا عن قراءة
نافع ، على أن القطعيّ لا يعارض بالظني ، وإنما نذكره زيادة فائدة والجواب عن
الحديث أن أبا زيد حكى : «نبأت من أرض كذا إلى أرض كذا» أي : خرجت منها
إليها ، فقوله : «يا نبيء الله» بالهمز يوهم يا طريد الله الذي أخرجه من بلده إلى
غيره ، فنهاه عن ذلك لإيهامه ما ذكرنا ، لا لسبب يتعلّق بالقراءة. ونظير ذلك نهيه
للمؤمنين عن قولهم : «راعنا» ، لمّا وجدت اليهود بذلك طريقا إلى السبّ به في لغتهم
، أو يكون حضّا منه عليهالسلام على تحرّي أفصح اللغات في القرآن وغيره.
وأمّا من لم
يهمز فإنّه يحتمل وجهين :
أحدهما : أنّه
من المهموز ولكن خفّف ، وهذا أولى ليوافق القراءتين ولظهور الهمز في قولهم : تنبّأ
مسيلمة ، وقوله : «يا خاتم النبآء».
والثاني : أنه
أصل آخر بنفسه مشتقّ من نبا ينبو إذا ظهر وارتفع ، ولا شك أن رتبة النبيّ مرتفعة
ومنزلته ظاهرة بخلاف غيره من الخلق ، والأصل : نبيو وأنبواء ، فاجتمع الياء والواو
وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء وأدغم ، كميّت في ميوت ، وانكسر ما قبل
الواو في الجمع فقلبت ياء ، فصار : أنبياء. والواو في النبوّة بدل من الهمز
__________________