والبواء : الرجوع بالقود ، وهم في هذا الأمر بواء أي : سواء ، قال :
٥١١ ـ ألا تنتهي عنّا ملوك وتتّقي |
|
محارمنا لا يبوؤ الدم بالدّم (١) |
أي : لا يرجع الدم بالدم في القود ، وباء بكذا أقرّ أيضا ، ومنه الحديث المتقدم ، أي أقرّ بها وألزمها نفسي ، وقال :
٥١٢ ـ أنكرت باطلها وبؤت بحقّها (٢) |
|
............... |
وقال الراغب : «أصل البواء مساواة الأجزاء في المكان خلاف النّبوة الذي هو مناقاة الأجزاء ، وقوله (وَباؤُ بِغَضَبٍ) أي حلّوا مبوأ ومعه غضب ، واستعمال «باء» تنبيه على أنّ مكانه الموافق يلزمه فيه غضب الله فكيف بغيره من الأمكنة ، وذلك نحو (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ)(٣). ثم قال : «وقول من قال «بؤت بحقّها» أي أقررت فليس تفسيره بحسب مقتضى اللفظ ، وقولهم : «حيّاك الله وبيّاك» أصله : بوّأك وإنما غيّر للمشاكلة ، قاله خلف الأحمر» (٤).
قوله : (بِغَضَبٍ) في موضع الحال من فاعل «باؤوا» أي : رجعوا مغضوبا عليهم ، وليس مفعولا به كمررت بزيد. وقال الزمخشري : «هو من قولك : باء فلان بفلان إذا كان حقيقا بأن يقتل به لمساواته له ومكافأته ، أي : صاروا أحقّاء بغضبه» وهذا التفسير ينفي كون الباء للحال.
قوله : (مِنَ اللهِ) الظاهر أنّه في محلّ جرّ صفة لغضب ، فيتعلّق بمحذوف أي : بغضب كائن من الله. و «من» لابتداء الغاية مجازا ، وقيل : هو متعلّق بالفعل نفسه أي : رجعوا من الله بغضب ، وليس بقويّ.
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ) «ذلك» مبتدأ أشير به إلى ما تقدّم من ضرب الذّلّة والمسكنة والخلافة بالغضب. و «بأنهم» الخبر. والباء للسببية ، أي : ذلك مستحقّ بسبب كفرهم. وقال المهدوي : «الباء بمعنى اللام أي : لأنهم» ولا حاجة إلى هذا ، فإنّ باء السببية تفيد التعليل بنفسها. و «يكفرون» في محلّ نصب خبرا لكان ، وكان وما في حيّزها في محلّ رفع خبرا لأنّ ، وأنّ وما في حيّزها في محلّ جرّ بالباء. والباء وما في حيّزها في محلّ رفع خبرا للمبتدأ كما تقدّم.
قوله : (بِآياتِ اللهِ) متعلّق بيكفرون ، والباء للتعدية.
قوله : (وَيَقْتُلُونَ) في محلّ نصب عطفا على خبر كان ، وقرئ (٥) : «تقتلون» بالخطاب التفاتا إلى الخطاب الأول بعد الغيبة ، و «يقتّلون» بالتشديد للتكثير.
قوله : (الأنبياء) مفعول به جمع نبيّ ، والقرّاء على ترك الهمز في النّبوّة وما تصرّف منها ، ونافع المدنيّ على
__________________
(١) تقدم وهو لجابر بن حني.
(٢) صدر بيت للبيد وعجزه :
............... |
|
عندي ولم يفخر عليّ كرامها |
انظر ديوانه (٣١٨).
(٣) سورة آل عمران ، آية (٢).
(٤) خلف الأحمر البصري أبو محرز بن حيّان مولى بلال بن أبي بردة كان راوية ثقة علامة يسلك مسلك الأصمعي وطريقه توفي حدود الثمانين ومائة بغية الوعاة (١ / ٥٥٤).
(٥) انظر البحر المحيط (١ / ٢٣٦).