على الأول وأصل بنفسها على الثاني ، فهو فعيل بمعنى فاعل أي : ظاهر مرتفع ، أو بمعنى مفعول أي : رفعه الله على خلقه ، أو يكون مأخوذا من النبيّ الذي هو الطريق ، وذلك أن النبيّ طريق الله إلى خلقه ، به يتوصّلون إلى معرفة خالقهم ، وقال الشاعر :
٥١٤ ـ لمّا وردن نبيّا واستتبّ بنا |
|
مسحنفر كخطوط النّسج منسحل (١) |
أي : طريقا ، وقال :
٥١٥ ـ لأصبح رتما دقاق الحصى |
|
مكان النّبيّ من الكاثب (٢) |
الرّتم بالتاء المثنّاة والمثلثة جميعا : الكسر ، والكاثب بالمثلثة اسم جبل ، وقالوا في تحقير نبوّة مسيلمة : نبيّئة. وقالوا : جمعه على أنبياء قياس مطّرد في فعيل المعتلّ نحو : وليّ وأولياء وصفيّ وأصفياء. وأمّا قالون فإنما ترك الهمز في الموضعين المذكورين لمدرك آخر ، وهو أنه من أصله في اجتماع الهمزتين من كلمتين إذا كانتا مكسورتين أن تسهّل الأولى ، إلا أن يقع قبلها حرف مدّ فتبدل وتدغم ، فلزمه أن يفعل هنا ما فعل في (بِالسُّوءِ إِلَّا)(٣) من الإبدال والإدغام ، ٧ لّا أنه روي عنه اختلاف في «بالسوء إلّا» ولم يرو عنه هنا خلاف ، كأنه التزم البدل لكثرة الاستعمال في هذه اللفظة وبابها ، ففي التحقيق لم يترك همز «النبيّ» بل همزه ولمّا همزه أدّاه قياس تخفيفه إلى ذلك ، ويدلّ على هذا الاعتبار أنّه إنما يفعل ذلك حيث يصل ، أمّا إذا وقف فإنّه يهمزه في الموضعتين لزوال السبب المذكور فهو تارك للهمز لفظا آت به تقديرا.
قوله تعالى : (بِغَيْرِ الْحَقِّ) في محلّ نصب على الحال من فاعل «يقتلون» تقديره : يقتلونهم مبطلين ، ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف تقديره : قتلا كائنا بغير الحق ، فيتعلّق بمحذوف. قال الزمخشري : «قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير الحقّ ، فما فائدة ذكره؟ وأجاب بأنّ معناه أنهم قتلوهم بغير الحق عندهم لأنهم لم يقتلوا ولا أفسدوا في الأرض حتى يقتلوا ، فلو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجها يستحقّون به القتل عندهم» وقيل : إنما خرج وصفهم بذلك مخرج الصفة لقتلهم بأنه ظلم في حقهم لاحق ، وهو أبلغ في الشّناعة والتعظيم لذنوبهم.
قوله : (ذلِكَ بِما عَصَوْا) مثل ما تقدّم. وفي تكرير اسم الإشارة قولان :
أحدهما : أنه مشار به إلى ما أشير بالأول إليه على سبيل التأكيد.
والثاني ما قاله الزمخشري : وهو أن يشار به إلى الكفر وقتل الأنبياء ، على معنى أنّ ذلك بسبب عصيانهم واعتدائهم لأنّهم انهمكوا فيهما». و «ما» مصدرية والباء للسببيّة ، أي بسبب عصيانهم ، فلا محلّ ل «عصوا» لوقوعه صلة ، وأصل عصوا عصيوا ، تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها ، قلبت ألفا ، فالتقى ساكنان هي والواو ، فحذفت لكونها أوّل الساكنين ، وبقيت الفتحة تدلّ عليها فوزنه فعوا. «وكانوا يعتدون» في محلّ نصب خبرا ل «كان» ، وكان ما بعدها عطف على صلة «ما» المصدرية.
وأصل العصيان : الشّدّة ، اعتصت النّواة : اشتدّت ، والاعتداء المجاوزة من عدا يعدو ، فهو افتعال منه ، ولم يذكر متعلّق العصيان والاعتداء ليعمّ كلّ ما يعصى ويعتدى فيه.
__________________
(١) البيت للقطامي انظر ديوانه (٤) ، وهو من شواهد البحر (١ / ٢٢٠).
(٢) البيت لأوس بن حجر انظر ديوانه (١١) ، اللسان «كثب».
(٣) سورة يوسف ، آية (٥٣).