اللغة : «الحدّ الفاصل بين الشيئين» وحكي عن أهل هجر أنهم إذا كتبوا بيع دار قالوا : اشترى فلان الدار بمصورها «أي» : حدودها ، وأنشد :
٥٠٧ ـ وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به |
|
بين النهار وبين الليل قد فصلا (١) |
قوله : (ما سَأَلْتُمْ) «ما» في محلّ نصب اسما لإنّ ، والخبر في الجارّ قبله ، و «ما» بمعنى الذي والعائد محذوف ، أي : الذي سألتموه. قال أبو البقاء : «ويضعف أن يكون نكرة موصوفة» يعني أنّ الذي سألوه شيء معين فلا يحسن أن يجابوا بشيء مبهم. وقرئ : «سلتم» مثل : بعتم ، وهي مأخوذة من سال بالألف ، قال حسان ـ رضي الله عنه ـ :
٥٠٨ ـ سالت هذيل رسول الله فاحشة |
|
ضلّت هذيل بما سالت ولم تصب (٢) |
وهل هذه الألف منقلبة عن ياء أو واو لقولهم : يتساولان ، أو عن همزة؟ أقوال ثلاثة سيأتي بيانها إن شاء الله في سورة المعارج.
قوله : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) «ضربت» مبنيّ للمفعول ، «الذّلّة» قائم مقام الفاعل ، ومعنى «ضربت» أي : ألزموها وقضي عليهم بها ، من ضرب القباب ، قال الفرزدق لجرير :
٥٠٩ ـ ضربت عليك العنكبوت بنسجها |
|
وقضى عليك به الكتاب المنزّل (٣) |
والذلّة : الصّغار ، والذّل بالضم ما كان عن قهر ، وبالكسر ما كان بعد شماس من غير قهر ، قاله الراغب. والمسكنة : مفعلة من السكون ، لأن المسكين قليل الحركة والنهوض ، لما به من الفقر ، والمسكين مفعيل منه إلا أنّ هذه الميم قد ثبتت في اشتقاق هذه الكلمة ، قالوا : تمسكن يتمسكن فهو متمسكن ، وذلك كما تثبت ميم تمندل وتمدرع من النّدل والدّرع ، وذلك لا يدلّ على أصالتها ، لأن الاشتقاق قضى عليها بالزيادة. وقال الراغب : «وضربت عليهم الذّلّة والمسكنة : فالميم في ذلك زائدة في أصحّ القولين» وإيراد هذا الخلاف يؤذن بأنّ النون زائدة ، وأنه من مسك.
قوله : (وَباؤُ) ألف «باء بكذا» منقلبة عن واو لقولهم : «باء يبوء» مثل : قال يقول ، قال عليه الصلاة والسّلام «أبوء بنعمتك عليّ» (٤) والمصدر : البواء ، وباء معناه رجع ، وأنشد بعضهم :
٥١٠ ـ فآبوا بالنّهائب والسّبايا |
|
وأبنا بالملوك مصفّدينا (٥) |
وهذا وهم ، لأنّ هذا البيت من مادة آب يؤوب فمادته من همزة وواو وباء ، و «باء» مادته من باء وواو وهمزة ، وادّعاء القلب فيه بعيد لأنه لم يعهد تقدّم العين واللام معا على الفاء في مقلوب وهذا من ذاك.
__________________
(١) لبيت لعدي بن زيد ، انظر ديوانه (١٥٩) ، القرطبي (١ / ٤٢٩).
(٢) انظر ديوانه (٤٤٣) ، وهو من شواهد الكتاب (٢ / ١٣٠) ، شرح المفصل لابن يعيش (٤ / ١٢٢) ، المحتسب (١ / ٩٠) ، الكشاف (٤ / ٤٤٥).
(٣) انظر ديوانه (٢ / ٧١٥) ، القرطبي (١ / ٤٣٠).
(٤) أخرجه من رواية شداد بن أوس رضي الله عنه البخاري (١١ / ٩٧) ، في الدعوات باب أفضل الاستغفار (٦٣٠٦).
(٥) البيت من معلقة عمرو بن كلثوم ، انظر شرح المعلقات للتبريزي (٤١٦) ، الشنقيطي (١٠٥) ، القرطبي (١ / ٤٣٠).