و «في الأرض» يحتمل أن يتعلّق ب «تعثوا» وهو الظاهر ، وأن يتعلّق بمفسدين.
قوله تعالى : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) : ناصب ومنصوب ، والجملة في محلّ نصب بالقول ، وقد تقدّم الكلام على «لن» ، وقوله «طعام واحد» وإنما كانا طعامين وهما المنّ والسّلوى ؛ لأنّ المراد بالواحد ما لا يختلف ولا يتبدّل ، فأريد نفي التبدّل والاختلاف ، أو لأنهما ضرب واحد لأنهما من طعام أهل التلذّذ والترف ، ونحن أهل زراعات ، لا نريد إلا ما ألفناه من الأشياء المتفاوتة ، أو لأنهم كانوا يأكلون أحدهما بالآخر أو لأنهما كانا يؤكلان في وقت واحد ، وقيل : كنوا بذلك عن الغنى ، فكأنهم قالوا : لن نرضى أن نكون كلّنا مشتركين ، في شيء واحد فلا يخدم بعضنا بعضا وكذلك كانوا ، وهم أوّل من اتّخذ الخدم والعبيد.
والطعام : اسم لكل ما يطعم من مأكول ومشروب ، ومنه (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ)(١) وقد يختصّ ببعض المأكولات كاختصاصه بالبرّ والتمر ، وفي حديث الصدقة : «أو صاعا من طعام أو صاعا من شعير» (٢) ، والطّعم بفتح الطاء المصدر أو ما يشتهى من الطعام أو ما يؤدّيه الذّوق ، تقول : طعمه حلو وطعمه مرّ ، وبضمّها الشيء المطعوم كالأكل والأكل ، قال أبو خراش (٣) :
٥٠٠ ـ أردّ شجاع البطن لو تعلمينه |
|
وأوثر غيري من عيالك بالطّعم (٤) |
وأغتبق الماء القراح فأنتهي |
|
إذا الزاد أمسى للمزلّج ذا طعم |
أراد بالأول المطعوم وبالثاني ما يشتهى منه ، وقد يعبّر به عن الإعطاء ، قال عليهالسلام : «إذا استطعمكم الإمام فأطعموه» (٥) أي : إذا استفتح فافتحوا عليه ، وفلان ما يطعم النوم إلا قائما ، قال :
٥٠١ ـ نعاما بوجرة صفر الخدو |
|
د ما تطعم النّوم إلا صياما (٦) |
قوله : (فَادْعُ) اللغة الفصيحة «ادع» بضم العين من دعا يدعو ، ولغة بني عامر : فادع بكسر العين ، قال أبو البقاء : «لالتقاء الساكنين ، يجرون المعتلّ مجرى الصحيح ، ولا يراعون المحذوف» يعني أنّ العين ساكنة لأجل الأمر ، والدال قبلها ساكنة ، فكسرت العين ، وفيه نظر ، لأن القاعدة في هذا ونحوه أن يكسر الأول من الساكنين لا الثاني ، فيجوز أن يكون [من لغتهم] دعى يدعي مثل رمى يرمي. والدعاء هنا السؤال ، ويكون بمعنى التسمية كقوله :
٥٠٢ ـ دعتني أخاها أمّ عمرو (٧) ... |
|
............... |
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (٢٤٩).
(٢) أخرجه البخاري في الزكاة باب فرض صدقة الفطر (١٥٠٣) ، (١٥١١) ، ومسلم (٩٨٤) في الزكاة والترمذي في الزكاة (٩٨٤) ، النسائي (٥ / ٤٧) ، باب فرض زكاة رمضان.
(٣) خويلد بن مرة من بني هذيل من مضر شاعر مخضرم وفارس فاتك مشهور توفي نحو سنة ١٥ ه ، الأغاني (٢١ / ٣٨) ، الأعلام (٢ / ٣٢٥).
(٤) البيتان في ديوان الهذليين (٢ / ١٢٨) ، اللسان «طعم» ، القرطبي (١ / ٤٢٣).
(٥) لم أجده مرفوعا ولكن موقوف على سيدنا علي كرّم الله وجهه.
(٦) البيت لبشر بن أبي خازم وهو في اللسان «طعم» ، القرطبي (١ / ٤٢٣).
(٧) جزء من صدر بيت لعبد الرحمن بن الحكم وهو :
... ولم أكن |
|
أخاها ولم أرضع لها بلبان |
وانظر البيت في شرح المفصل لابن يعيش (٦ / ٢٧) ، ـ