على حذف عائد الموصوف إذا كان منصوبا قوله :
٤٤٠ ـ وما أدري : أغيّرهم تناء |
|
وطول العهد أم مال أصابوا (١) |
أي : أصابوه ، ويجوز عند الكوفيين أن يكون التقدير : يوما يوم لا تجزي نفس ، فيصير كقوله تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ)(٢) ، ويكون اليوم الثاني بدلا من «يوما» الأول ، ثم حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٣) ، وعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير عائد لأنّ الظرف متى أضيف إلى الجملة بعده لم يؤت له فيها بضمير إلا في ضرورة ، كقوله :
٤٤١ ـ مضت مئة لعام ولدت فيه |
|
وعشر بعد ذاك وحجّتان (٤) |
و «عن نفس» متعلّق بتجزي ، فهو في محلّ نصب به ، قال أبو البقاء : «ويجوز أن يكون نصبا على الحال». والجزاء : القضاء والمكافأة ، قال الشاعر :
٤٤٢ ـ يجزيه ربّ العرش عنّي إذ جزى |
|
جنات عدن في العلاليّ العلى (٥) |
والإجزاء : الإغناء والكفاية ، أجزأني كذا : كفاني ، قال :
٤٤٣ ـ وأجزأت أمر العالمين ولم يكن |
|
ليجزأ إلا كامل وابن كامل (٦) |
قيل : وأجزأت وجزأت متقاربان. وقيل : إنّ الجزاء والإجزاء بمعنى ، تقول منه : جزيته وأجزيته ، وقد قرئ (٧) : «تجزئ» بضمّ حرف المضارعة من أجزأ ، وجزأت بكذا أي : اجتزأت به ، قال الشاعر :
٤٤٤ ـ فإنّ الغدر في الأقوام عار |
|
وإنّ الحرّ يجزأ بالكراع |
أي : يجتزئ به.
قوله : «شيئا» نصب على المصدر ، أي : شيئا من الجزاء ؛ لأن الجزاء شيء ، فوضع العامّ موضع الخاصّ ، ويجوز أن يكون مفعولا به على أنّ «تجزي» بمعنى «تقضي» ، أي : لا تقضي [نفس] عن غيرها شيئا من الحقوق ، والأول أظهر.
قوله : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) هذه الجملة عطف على ما قبلها فهي صفة أيضا ل «يوما» ، والعائد منها عليه محذوف كما تقدّم ، أي : ولا يقبل منها فيه شفاعة. و «شفاعة» مفعول لم يسمّ فاعله ، فلذلك رفعت ، وقرئ (٨) : «يقبل» بالتذكير والتأنيث ، فالتأنيث للّفظ ، والتذكير لأنه مؤنث مجازيّ ، وحسّنه الفصل. وقرئ (٩) : «ولا يقبل»
__________________
(١) البيت للحارث بن كلدة وهو من شواهد الكتاب (١ / ٤٥) ، شرح المفصل لابن يعيش (٦ / ٨٩) ، أمالي ابن الشجري (١ / ٥) ، العيني (٤ / ٦٠).
(٢) سورة الانفطار ، آية (١٩).
(٣) سورة يوسف ، آية (٨٢).
(٤) البيت للنابغة الجعدي انظر ديوانه (١٦١) ، الهمع (١ / ٢١٩) ، الدرر (١ / ١٨٩).
(٥) البيت لأبي النجم انظر الأضداد (١٠٢) ، البحر (١ / ١٨٧) ، الطبري (١ / ٢٣٥).
(٦) البيت من شواهد القرطبي (١ / ٣٧٨).
(٧) البيت للطائي كما في غريب الحديث (١ / ٥٨) ، وذكره ابن منظور في اللسان جزأ ، القرطبي (١ / ٣٧٧).
(٨) انظر البحر المحيط (١ / ١٩٠).
(٩) انظر المصدر السابق.