مبنيا للفاعل وهو الله تعالى. و «شفاعة» نصبا مفعولا به. و «لا يؤخذ منها عدل» صفة أيضا ، والكلام فيه واضح. و «منها» متعلّق ب «يقبل» و «يؤخذ» ، وأجاز أبو البقاء أن يكون نصبا على الحال ، لأنه في الأصل صفة لشفاعة وعدل ، فلمّا قدّم عليهما نصب على الحال ، ويتعلّق حينئذ بمحذوف ، وهذا غير واضح ، فإنّ المعنى منصبّ على تعلّقه بالفعل ، والضمير في «منها» يعود على «نفس» الثانية ، لأنها أقرب مذكور ، ويجوز أن يعود على الأولى لأنها هي المحدّث عنها ، ويجوز أن يعود الضمير الأول على الأولى وهي النفس الجازية ، والثاني يعود على الثانية وهي المجزيّ عنها ، وهذا مناسب.
والشفاعة مشتقة من الشّفع ، وهو الزوج ، ومنه : الشّفعة ، لأنها ضمّ ملك إلى غيره ، والشافع والمشفوع له ، لأنّ كلّا منهما يزوّج نفسه بالآخر ، وناقة شفوع : تجمع بين محلبين في حلبة واحدة ، وناقة شافع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها ، والعدل بالفتح الفداء ، وبالكسر المثل ، يقال : عدل وعديل. وقيل : «عدل» بالفتح المساوي للشيء قيمة وقدرا ، وإن لم يكن جنسه ، وبالكسر : المساوي له في جنسه وجرمه ، وحكى الطبري أنّ من العرب من يكسر الذي بمعنى الفداء ، والأول أشهر ، وأمّا عدل ـ واحد الأعدال ـ فهو بالكسر لا غير.
قوله : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) جملة من مبتدأ وخبر ، معطوفة على ما قبلها وإنما أتي هنا بالجملة مصدرة بالمبتدأ مخبرا عنه بالمضارع تنبيها على المبالغة والتأكيد في عدم النّصرة. والضمير في قوله «ولا هم» يعود على النفس ؛ لأنّ المراد بها جنس الأنفس ، وإنما عاد الضمير مذكّرا وإن كانت النفس مؤنثة لأنّ المراد بها العباد والأناسيّ. قال الزمخشري : «كما تقول ثلاثة أنفس» يعني : إذا قصد بها الذكور ، كقوله :
٤٤٥ ـ ثلاثة أنفس وثلاث ذود (١) |
|
............... |
ولكنّ النحاة نصّوا على أنه ضرورة ، فالأولى أن يعود على الكفار الذين اقتضتهم الآية كما قال ابن عطية.
والنّصر : العون ، والأنصار : الأعوان ، ومنه : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ)(٢) والنصر أيضا : الانتقام ، انتصر زيد أي : انتقم. والنّصر أيضا : الإتيان نصرت أرض بني فلان أتيتها ، قال الشاعر :
٤٤٦ ـ إذا دخل الشهر الحرام فودّعي |
|
بلاد تميم وانصري أرض عامر (٣) |
وهو أيضا : العطاء ، قال الراجز :
٤٤٧ ـ إني وأسطار سطرن سطرا |
|
لقائل يا نصر نصر نصرا (٤) |
ويتعدّى ب «على» ، قال : (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)(٥) ، وأمّا قوله : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ)(٦) فيحتمل التعدّي ب «من» ويحتمل أن يكون من التضمين أي : نصرناه بالانتقام له منهم.
__________________
(١) صدر بيت للخطيئة وعجزه :
............... |
|
لقد جار الزمان على عيالى |
انظر ديوانه (٣٩٥) ، الدرر (١ / ٢٠٩).
(٢) سورة آل عمران ، آية (٥٢).
(٣) البيت للراعي ، اللسان «نصر».
(٤) البيت لرؤبة انظر ملحق ديوانه (١٧٤) ، المغني (٤٣٤) ، الخصائص (١ / ٣٤٠) ، شواهد المغني (٢٧٤) ، الهمع (٢ / ١٢١) ، الدرر (٢ / ١٥٣).
(٥) سورة البقرة ، آية (٢٨٦).
(٦) سورة الأنبياء ، آية (٧٧).