٤٣٦ ـ ربّ همّ فرّجته بعزيم |
|
وغيوب كشّفتها بظنون (١) |
فاستعمل الظنّ استعمال اليقين مجازا ، كما استعمل العلم استعمال الظنّ كقوله : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ)(٢) ولكنّ العرب لا تستعمل الظنّ استعمال اليقين إلا فيما لم يخرج إلى الحسّ والمشاهدة كالآيتين والبيت ، ولا تجدهم يقولون في رجل مرئيّ حاضرا : أظنّ هذا إنسانا.
والقول الثاني : أنّ الظنّ على بابه وفيه حينئذ تأويلان :
أحدهما ذكره المهدوي والماوردي وغيرهما : أن يضمر في الكلام «بذنوبهم» فكأنهم يتوقّعون لقاءه مذنبين. قال ابن عطية : «وهذا تعسّف».
والثاني من التأويلين : أنهم يظنّون ملاقاة ثواب ربهم لأنهم ليسوا قاطعين بالثواب دون العقاب ، والتقدير :
يظنّون أنهم ملاقو ثواب ربّهم ، ولكن يشكل على هذا عطف (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) فإنه لا يكفي فيه الظنّ ، هذا إذا أعدنا الضمير في «إليه» على الربّ سبحانه وتعالى ، أمّا إذا أعدناه على الثواب المقدّر فيزول الإشكال أو يقال : إنه بالنسبة إلى الأول بمعنى الظنّ على بابه ، وبالنسبة إلى الثاني بمعنى اليقين ، ويكون قد جمع في الكلمة الواحدة بين الحقيقة والمجاز ، وهي مسألة خلاف و «أن» وما في حيّزها سادّة مسدّ المفعولين عند الجمهور ، ومسدّ الأول ، والثاني محذوف عند الأخفش ، وقد تقدّم تحقيقه.
و «ملاقو ربّهم» من باب إضافة اسم الفاعل لمعموله إضافة تخفيف لأنه مستقبل ، وحذفت النون للإضافة ، والأصل ، ملاقون ربّهم. والمفاعلة هنا بمعنى الثلاثي نحو : عافاك الله ، قاله المهدوي. قال ابن عطية : «وهذا ضعيف ، لأنّ «لقي» يتضمّن معنى «لاقى». كأنه يعني أن المادة لذاتها تقتضي المشاركة بخلاف غيرها من : عاقبت وطارقت وعافاك. وقد تقدّم أن في الكلام حذفا تقديره : ملاقو ثواب ربّهم وعقابه. قال ابن عطية : «ويصحّ أن تكون الملاقاة هنا الرؤية التي عليها أهل السّنّة وورد بها متواتر الحديث» ، فعلى هذا الذي قاله لا يحتاج إلى حذف مضاف. (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) عطف على «أنّهم» وما في حيّزها ، و «إليه» متعلق ب «راجعون» ، والضمير : إمّا للربّ سبحانه أو الثّواب كما تقدّم ، أو اللقاء المفهوم من «ملاقو».
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)(٤٨)
قوله تعالى : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) : «أنّ» وما في حيّزها في محل نصب لعطّفها على المنصوب في قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) أي : اذكروا نعمتي وتفضيلي إياكم ، والجارّ متعلّق به ، وهذا من باب عطف الخاصّ على العامّ لأن النعمة تشمل التفضيل. والفضل : الزيادة في الخير ، واستعماله في الأصل التعدّي ب «على» ، وقد يتعدّى ب «عن» : إمّا على التضمين وإمّا على التجوّز في الحذف ، كقوله :
٤٣٧ ـ لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب |
|
عني ولا أنت ديّاني فتخزوني (٣) |
__________________
(١) البيت في الأضداد (١٥) ، القرطبي (١ / ٣٧٦).
(٢) سورة الممتحنة ، آية (١٠).
(٣) البيت لذي الأصبع انظر الخصائص (٢ / ٢٨٨) ، مجالس العلماء (٧١) ، المقرب (١ / ١٩٧) ، أمالي ابن الشجري ـ (٢ / ١٣) ، المغني (١٥٨) ، المخصص (١٤ / ٦٦) ، الأزهية (٩٧) ، شواهد المغني (٤٣٠).