بنفسه نحو : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). ويجوز أن تكون الباء للحال أي : ملتبسين بالصبر ، والظاهر أنه يتعدّى بنفسه وبالباء تقول : استعنت الله واستعنت بالله ، وقد تقدّم أن السين للطلب. والصبر : الحبس على المكروه ، ومنه : «قتل فلان بصبرا» ، قال :
٤٣٢ ـ فصبرا في مجال الموت صبرا |
|
فما نيل الخلود بمستطاع (١) |
قوله : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) إنّ واسمها وخبرها ، والضمير في «إنها» قيل : يعود على الصلاة وإن تقدّم شيئان ، لأنها أغلب منه وأهمّ ، وهو نظير قوله : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) أعاد الضمير على التجارة لأنها أهمّ وأغلب ، كذا قيل ، وفيه نظر ، لأنّ العطف ب «أو» فيجب الإفراد ، لكنّ المراد أنه ذكر الأهمّ من الشيئين فهو نظيرها من هذه الجهة. وقيل : يعود على الاستعانة المفهومة من الفعل نحو : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ)(٢). وقيل : على العبادة المدلول عليها بالصبر والصلاة ، وقيل : هو عائد على الصبر والصلاة ، وإن كان بلفظ المفرد ، وهذا ليس بشيء. وقيل : حذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، وتقديره : وإنه لكبير ، نحو قوله :
٤٣٣ ـ إنّ شرخ الشباب والشّعر الأس |
|
ود ما لم يعاص كان جنونا (٣) |
قوله : (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) استثناء مفرّع ، وجاز ذلك وإن كان الكلام مثبتا لأنه في قوة المنفيّ ، أي : لا تسهل ولا تخفّ إلّا على هؤلاء ، ف «على الخاشعين» متعلّق ب «كبيرة» نحو : «كبر عليّ هذا» أي : عظم وشقّ.
والخشوع : الخضوع ، وأصله اللّين والسّهولة ، ومنه «الخشعة» للرّملة المتطامنة ، وفي الحديث : «كانت خشعة على الماء ثم دحيت بعد» أي : كانت الأرض لينة ، وقال النابغة :
٤٣٤ ـ رماد ككحل العين لأيا أبينه |
|
ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع (٤) |
أي : عليه أثر الذلّ ، وفرّق بعضهم بين الخضوع والخشوع ، فقال : الخضوع في البدن خاصة ، والخشوع في البدن والصوت والبصر فهو أعمّ منه.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) : «الذين» يحتمل موضعه الحركات الثلاث ، فالجرّ على أنه تابع لما قبله نعتا ، وهو الظاهر ، والرفع والنصب على القطع ، وقد تقدّم معناه. وأصل الظنّ : رجحان أحد الطرفين وأمّا هذه الآية ففيها قولان :
أحدهما ـ وعليه الأكثر ـ أنّ الظنّ ههنا بمعنى اليقين ومثله : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ)(٥) ، وقوله :
٤٣٥ ـ فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجّج |
|
سراتهم في الفارسيّ المسرّد (٦) |
وقال أبو دؤاد :
__________________
(١) البيت لقطري بن الفجاءة انظر أمالي المرتضى (١ / ٢٣٦) ، التصريح (١ / ٣٣١) ، العيني (٣ / ٥١) ، حاشية يس (١ / ٣٣٠) ، الأشموني (٢ / ١١٧).
(٢) سورة المائدة ، آية (٨).
(٣) البيت لحسان انظر ديوانه (٢٣٦) ، أمالي ابن الشجري (١ / ٣٠٩) ، اللسان شرخ.
(٤) البيت في ديوانه (٤٣) ، القرطبي (١ / ٣٧٤).
(٥) سورة الحاقة ، آية (٢٠).
(٦) البيت لدريد بن الصمة انظر الأصمعيات (١٠٧) ، الحماسة (١ / ٣٩٧) ، شرح المفصل لابن يعيش (٧ / ٨١) ، القرطبي (١ / ٣٧٥) ، اللسان «ظنن».