يعرف دعاءها من سوقها ، والبرّ أيضا الفؤاد ، قال :
٤٢٩ ـ أكون
مكان البرّ منه ودونه
|
|
وأجعل مالي
دونه وأوامره
|
والبرّ ـ بالفتح
ـ الإجلال والتعظيم ، ومنه : ولد برّ بوالديه ، أي : يعظّمهما ، والله تعالى برّ
لسعة خيره على خلقه.
قوله : «وتنسون»
داخل في حيّز الإنكار ، وأصل تنسون : تنسيون ، فاعلّ بحذف الياء بعد سكونها ، وقد
تقدّم في «اشتروا» ، فوزنه تفعون ، والنّسيان : ضدّ الذّكر ، وهو السهو الحاصل بعد
حصول العلم ، وقد يطلق على التّرك ، ومنه : (نَسُوا اللهَ
فَنَسِيَهُمْ) ، وقد يدخله التعليق حملا على نقيضه ، قال :
٤٣٠ ـ ومن
أنتم إنّا نسينا من انتم
|
|
وريحكم من
أيّ ريح الأعاصر
|
قوله : (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) مبتدأ وخبر في محلّ نصب على الحال ، العامل فيها «تنسون».
والتلاوة : التتابع ، ومنه تلاوة القرآن ، لأنّ القارئ يتبع كلماته بعضها ببعض ،
ومنه : (وَالْقَمَرِ إِذا
تَلاها) ، وأصل تتلون : تتلوون بواوين فاستثقلت الضمة على الواو
الأولى فحذفت ، فالتقى ساكنان ، فحذفت فوزنه : تفعون.
قوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) الهمزة للإنكار أيضا ، وهي في نيّة التأخير عن الفاء
لأنها حرف عطف ، وكذا تتقدّم أيضا على الواو وثم نحو : (أَوَلا يَعْلَمُونَ)(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) ، والنيّة بها التأخير ، وما عدا ذلك من حروف العطف فلا
تتقدّم عليه ، تقول : ما قام زيد بل أقعد؟ هذا مذهب الجمهور. وزعم الزمخشري أن
الهمزة في موضعها غير منويّ بها التأخير ، ويقدّر قبل الفاء والواو وثم فعلا عطف
عليه ما بعده ، فيقدّر هنا : أتغفلون فلا تعقلون ، وكذا : (أَفَلَمْ يَرَوْا) أي : أعموا فلم يروا ، وقد خالف هذا الأصل ووافق
الجمهور في مواضع يأتي التنبيه عليها. ومفعول «تعقلون» غير مراد ، لأنّ المعنى : أفلا
يكون منكم عقل. وقيل : تقديره : أفلا تعقلون قبح ما ارتكبتم من ذلك.
والعقل :
الإدراك المانع من الخطأ ، وأصله المنع. ومنه : العقال ، لأنه يمنع البعير ، وعقل
الدّيّة لأنه يمنع من قتل الجاني ، والعقل أيضا ثوب موشّى ، قال علقمة :
٤٣١ ـ عقلا
ورقما تظلّ الطير تتبعه
|
|
كأنّه من دم
الأجواف مدموم
|
قال ابن فارس :
«ما كان منقوشا طولا فهو عقل ، أو مستديرا فهو رقم» ولا محلّ لهذه الجملة
لاستئنافها.
قوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) هذه الجملة الأمرية عطف على ما قبلها من الأوامر ، ولكن
اعترض بينها بهذه الجمل. وأصل «استعينوا» استعونوا ففعل به ما فعل في «نستعين» ،
وقد تقدّم تحقيقه ومعناه. و «بالصبر» متعلق به والباء للاستعانة أو للسببية ،
والمستعان عليه محذوف ليعمّ جميع الأحوال المستعان عليها ، و «استعان» يتعدّى
__________________