الاسم على مثله ، والتقدير : لا يكن منكم لبس الحق بالباطل وكتمانه ، وكذا سائر نظائره. وقال الكوفيون : «منصوب بواو الصرف» ، وقد تقدّم معناه ، والوجه الأول أحسن لأنه نهي عن كلّ فعل على حدته. وأمّا الوجه الثاني فإنه نهي عن الجمع ، ولا يلزم من النهي عن الجمع بين الشيئين النهي عن كلّ واحد على حدته إلا بدليل خارجي.
واللّبس : الخلط والمزج ، يقال : لبست عليه الأمر ألبسه خلطت بيّنه بمشكله ، ومنه قول الخنساء :
٤١٦ ـ ترى الجليس يقول الحقّ تحسبه |
|
رشدا وهيهات فانظر ما به التبسا |
صدّق مقالته واحذر عداوته |
|
والبس عليه أمورا مثل ما لبسا (١) |
وقال العجّاج :
٤١٧ ـ لمّا لبسن الحقّ بالتجنّي |
|
غنين واستبدلن زيدا منّي (٢) |
ومنه أيضا :
٤١٨ ـ وقد لبست لهذا الأمر أعصره |
|
حتى تجلّل رأسي الشيب فاشتعلا (٣) |
وفي فلان ملبس أي : مستمتع ، قال :
٤١٩ ـ ألا إنّ بعد العدّم للمرء قنوة |
|
وبعد المشيب طول عمر وملبسا (٤) |
وقول الفرّار :
٤٢٠ ـ وكتيبة لبّستها بكتيبة |
|
حتى إذا التبست نفضت لها يدي (٥) |
يحتمل أن يكون منه وأن يكون من اللّباس ، والآية الكريمة تحتمل المعنيين أي : لا تغطّوا الحقّ بالباطل.
والباطل ضدّ الحقّ ، وهو الزائل ، كقول لبيد :
٤٢١ ـ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل (٦) |
|
|
وقد بطل يبطل بطولا وبطلا وبطلانا. والبطل : الشجاع ، سمّي بذلك لأنه يبطل شجاعة غيره. وقيل : لأنه يبطل دمه ، فهو فعل بمعنى مفعول ، وقيل : لأنه يبطل دم غيره فهو بمعنى فاعل. وقد بطل بالضم يبطل بطولا وبطالة أي : صار شجاعا. قال النابغة :
__________________
(١) القرطبي (١ / ٢٣٢).
(٢) انظر ديوانه (١ / ٢٧٩) ، القرطبي (١ / ٢٣٢).
(٣) انظر ديوانه (٢٦٥) ، القرطبي (١ / ٢٣٣).
(٤) البيت لامرئ القيس انظر ديوانه (٨٧) ، القرطبي (١ / ٢٣٣).
(٥) هو للفرار السلمي : حيان بن الحكم بن مالك بن خالد بن صخر بن الشريد .. من بني سليم ، شاعر مخضرم ، مقل ، أدرك الجاهلية ، وأسلم ضمن وقد بني سليم ، ولقب بالفرار لهذا البيت. والحماسة البصرية ١ / ٦٠ ، وحماسة البحتري ٥٢ ، والحيوان للجاحظ ٥ / ١٨٥ ، ونهاية الأرب ٣ / ٣٥٢ ، وهو مع أبيات فيه ونص البيت هكذا :
وفوارس لبستها بفوارس |
|
حتى إذا التبست أملئ بها يدي |
والبيت في ملحقات ديوان العباس بن مرداس ص ١٥١. وقال كراع من كتاب المنضد : إن البيت لأبي ذر الغفاري ، قاله في الجاهلية في صنم كان لهم وقد رأى ثعلبا يبول برأسه.
(٦) تقدم.