٤١٤ ـ فإن تزعميني كنت أجهل فيكم |
|
فإنّي شريت الحلم بعدك بالجهل (١) |
وقال المهدوي : «دخول الباء على الآيات كدخلوها على الثّمن ، وكذلك كلّ ما لا عين فيه ، وإذا كان في الكلام دراهم أو دنانير دخلت الباء على الثمن قاله الفراء» انتهى. يعني أنه إذا لم يكن في الكلام درهم ولا دينار صحّ أن يكون كلّ من العوضين ثمنا ومثمّنا ، لكن يختلف ذلك بالنسبة إلى المتعاقدين ، فمن نسب الشراء إلى نفسه أدخل الباء على ما خرج منه وزال عنه ونصب ما حصل له ، فتقول : اشتريت هذا الثوب بهذا العبد ، وأمّا إذا كان ثمّ دراهم أو دنانير كان ثمنا ليس إلّا ، نحو : اشتريت الثوب بالدرهم ، ولا تقول : اشتريت الدرهم بالثوب. وقدّر بعضهم مضافا فقال : بتعليم آياتي لأنّ الآيات نفسها لا يشترى بها ، ولا حاجة إلى ذلك ، لأنّ معناه الاستبدال كما تقدّم.
و «ثمنا» مفعول به ، و «قليلا» صفته. و «إيّاي فاتّقون» كقوله «وإيّاي فارهبون». وقال هنا : فاتقون ، وهناك فارهبون لأنّ ترك المأمور به هناك معصية وهي ترك ذكر النعمة والإيفاء بالعهد ، وهنا ترك الإيمان بالمنزّل والاشتراء به ثمنا قليلا كفر فناسب ذكر الرّهب هناك لأنه أخفّ يجوز العفو عنه لكونه معصية ، وذكر التقوى هنا لأنه كفر لا يجوز العفو عنه ، لأنّ التقوى اتّخاذ الوقاية لما هو كائن لا بدّ منه.
قوله تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) : الباء هنا معناها الإلصاق ، كقولك : خلطت الماء باللبن ، أي : لا تخلطوا الحقّ بالباطل فلا يتميّز. وقال الزمخشري : «إن كانت صلة مثلها في قولك لبست الشيء بالشيء وخلطته به كان المعنى : ولا تكتبوا في التوراة ما ليس فيها فيختلط الحقّ المنزّل بالباطل الذي كتبتم. وإن كانت باء الاستعانة كالتي في قولك : كتبت بالقلم كان المعنى : ولا تجعلوا الحقّ مشتبها بباطلكم الذي تكتبونه» فأجاز فيها وجهين كما ترى ، ولا يريد بقوله : «صلة» أنها زائدة بل يريد أنها موصلة للفعل ، كما تقدّم. قال الشيخ : «وفي جعله إياها للاستعانة بعد وصرف عن الظاهر من غير ضرورة ، ولا أدري ما هذا الاستبعاد مع وضوح هذا المعنى الحسن؟.
قوله : (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ) فيه وجهان :
أحدهما وهو الأظهر : أنّه مجزوم بالعطف على الفعل قبله ، نهاهم عن كلّ فعل على حدته أي : لا تفعلوا لا هذا ولا هذا.
والثاني : أنه منصوب بإضمار «أن» في جواب النهي بعد الواو التي تقتضي المعية ، أي : لا تجمعوا بين لبس الحق بالباطل وكتمانه ، ومنه :
٤١٥ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله |
|
عار عليك ـ إذا فعلت ـ عظيم (٢) |
و «أن» مع ما في حيّزها في تأويل مصدر ، فلا بدّ من تأويل الفعل الذي قبلها بمصدر أيضا ليصحّ عطف
__________________
(١) البيت لأبي ذؤيب الهذلي انظر ديوانه الهذليين (١ / ٣٦) ، الهمع (١ / ١٤٨) ، ابن عقيل (١ / ٤٢٣) ، الكشاف (١ / ١٣١).
(٢) البيت للأخطل كذا نسبه له سيبويه واشتهر أنه لأبي الأسود الدؤلي انظر ملحقات ديوانه (١٣٠) ، ونسب البيت للطرماح وللمتوكل الليثي انظر الكتاب (١ / ٤٢٤) ، والمقتضب (٢ / ٢٥) ، وشرح المفصل لابن يعيش (٧ / ٢٤) ، العيني (٤ / ٣٩٣) ، والشذور (٢٣٨) ، حماسة البحتري (١٧٤) ، الخزانة (٨ / ٥٦٤) ، الدرر (٢ / ٩) ، معاني الفراء (١ / ١١٥) ، الصاحبي (١٥٦) ، الأشموني (٣ / ٣٠٧) ، والشاهد فيه قوله : (وتأتي) ، حيث نصب بإضمار أن بعد واو المعية.