قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) إلى قوله : (خالِدُونَ) : «الذين» مبتدأ وما بعده صلة وعائد ، و «بآياتنا» متعلق بكذّبوا. ويجوز أن تكون الآية من باب الإعمال ، لأنّ «كفروا» يطلبها ، ويكون من إعمال الثاني للحذف من الأول ، والتقدير : كفروا بنا وكذّبوا بآياتنا. و «أولئك» مبتدأ ثان و «أصحاب» خبره ، والجملة خبر الأول ، ويجوز أن يكون «أولئك» بدلا من الموصول أو عطف بيان له ، و «أصحاب» خبر المبتدأ الموصول. وقوله : (هُمْ فِيها خالِدُونَ) جملة اسمية في محلّ نصب على الحال للتصريح بذلك في مواضع. قال تعالى : (أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ)(١). وأجاز أبو البقاء أن تكون حالا من «النار» ، قال : «لأنّ فيها ضميرا يعود عليها ، ويكون العامل فيها معنى الإضافة أو اللام المقدّرة». انتهى. وقد عرف ما في ذلك.
ويجوز أن تكون في محلّ رفع خبرا لأولئك ، وأيضا فيكون قد أخبر عنه بخبرين ، أحدهما مفرد وهو «أصحاب». والثاني جملة ، وقد عرف ما فيه من الخلاف.
و «فيها» متعلق ب «خالدون». قالوا : وحذف من الكلام الأول ما أثبت في الثاني ، ومن الثاني ما أثبت في الأول ، والتقدير : فمن تبع هداي فلا خوف ولا حزن يلحقه وهو صاحب الجنة ، ومن كفر وكذّب لحقه الحزن والخوف وهو صاحب النار لأنّ التقسيم يقتضي ذلك ، ونظّروه بقول الشاعر :
٤٠١ ـ وإني لتعروني لذكراك فترة |
|
كما انتفض العصفور بلّله القطر (٢) |
والآية لغة : العلامة ، قال النابغة الذبياني :
٤٠٢ ـ توهّمت آيات لها فعرفتها |
|
لستة أعوام وذا العام سابع (٣) |
وسمّيت آية القرآن آية لأنها علامة لانفصال ما قبلها عمّا بعدها. وقيل : سمّيت بذلك لأنها تجمع حروفا من القرآن فيكون من قولهم : «خرج بنو فلان بآيتهم» أي : بجماعتهم ، قال شاعر :
٤٠٣ ـ خرجنا من النّقبين لا حيّ مثلنا |
|
بآياتنا نزجي اللّقاح المطافلا (٤) |
واختلف النحويون في وزنها : فمذهب سيبويه والخليل أنها فعلة ، والأصل : أيية بفتح العين ، تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، وهذا شاذ ، لأنه إذا اجتمع حرفا علة أعلّ الأخير ، لأنه محلّ التغيير نحو : هوى وحوى ، ومثلها في الشذوذ : غاية وطاية وراية.
ومذهب الكسائي أن وزنها آيية على وزن فاعلة ، فكان القياس أن يدغم فيقال : آيّة كدابّة إلا أنه ترك ذلك تخفيفا ، فحذفوا عينها كما خفّفوا كينونة والأصل : كيّنونة بتشديد الياء ، وضعّفوا هذا بأنّ بناء كيّنونة أثقل فناسب التخفيف بخلاف هذه.
ومذهب الفرّاء أنّها فعلة بسكون العين ، واختاره أبو البقاء قال : «لأنها من تأيّا القوم أي اجتمعوا ، وقالوا في
__________________
(١) سورة التغابن ، آية (١٠).
(٢) البيت لأبي صخر الهذلي انظر شرح أشعار الهذليين (٢ / ٩٥٧) ، المقرب (١ / ١٦٢) أمالي القالي (١ / ١٤٧) ، الإنصاف (١٦٠) ، شرح المفصل لابن يعيش (٢ / ٦٧) ، الهمع (١ / ١٩٤) ، الشذور (٢٨٧) ، العيني (٣ / ٦٧) ، الخزانة (٣ / ٢٥٤).
(٣) انظر ديوانه (٥٢) ، أوضح المسالك (٣ / ٢٢٣) ، القرطبي (١ / ٤٨).
(٤) البيت لبرج بن مسهر. انظر القرطبي (١ / ٤٨).